بقلم: منير أديب – النهار العربي
الشرق اليوم – الحفاظ على الحياة قيمة يحتاج إليها الإنسان والدول والشعوب أيضاً، ولكن أن تصل إلى صناعة هذه الحياة ومعها الأمل، فهذه مهمة شاقة، تحتاج إلى قلب وعقل كبيرين، هذه هي مهمة الإمارات العربية المتحدة الحقيقية وسط تعقيدات العالم وصراعاته التي لا تنتهي، منذ توحدت قبل خمسين عاماً ومدت يدها للعالم من أجل السلام، فصنعت لأبنائها ولشعوب المنطقة حياة كريمة سادها الوئام والمودة والرحمة وما غاب السلام عنها.
فاجأت الإمارات العربية المتحدة العالم وهي في ذكرى مرور الخمسين عاماً الأولى من “الاتحاد” بتدشين “إكسبو 2020 دبي”، وكأنها تُريد أن تقول من خلال شعارها الذي وضعته على صدر هذا الحدث “تواصل العقول وصناعة المستقبل”: “ما يهم الإمارات ويشغلها هو المستقبل، وهذا هو سر انشغالها بالبناء والتواصل”، فهذا الحدث مثل منعطفًا حقيقياً في حياة الإمارات، ولعله بداية لاستقبال الخمسين الجديدة من عمر “الاتحاد”، استقبال يعكس الإصرار على أن تكون إمارات الخير والبناء.
زرعت الإمارات سلاماً وصدّرته إلى العالم، فصنعت لنفسها في خمسين عاماً ما لا يمكن أن يصنعه غيرها في عشرة قرون، كانت تُسابق الزمن في كل شيء، في إحدى يديها “فأس العمل” وفي اليد الأخرى زهرة، نثرت حبّاتها في كل مكان، وعندما جاء موعد الحصاد شاركت الجميع ثمار البناء والتنمية، لم تبخل بأفكارها على أحد، بل كانت دائماً تبشر بهذه الأفكار، مهمتها لم تقتصر على صناعة السلام ولكن قامت بتصديره إلى العالم كله.
الإمارات تكتب من خلال “إكسبو 2020 دبي” المستقبل الحقيقي للبشرية، مستقل خالٍ من العنف والصراعات، مستقبل يكسوه الأمل وتعلوه ابتسامة الحياة التي غابت الحياة عنها، الإمارات من خلال استضافتها هذا المعرض الدولي تصنع جسراً من السلام والخير والاستثمار تحتاج إليه البشرية، التي بدأت تتوق إلى صناعة المستقبل.
العالم يحتاج إلى من يخفف أثقاله التي فرضتها “كورونا” فأحدثت شرخاً في اقتصاده وأضعفته، كما يحتاج هذا العالم إلى من يُضمد جراحه التي نزفت بسبب التحديات التي ما زالت تواجهه من دعاة الشر والكراهية، فجاء “إكسبو 2020 دبي” ليواجه كل هذا ويكون بمثابة بلسم الحياة التي تقدمها الإمارات للعالم.
الإمارات دائماً ما تواجه الشر بالخير كما تواجه الركود بالعمل وصناعة الأمل، تُطلق صافرة الأمل دائماً إلى حيث وجهتها أملاً في غد مشرق يملأه السلام والسعادة معاً، فهي تُحارب بالسلام ولا تجد بديلاً لهذا السلاح في مواجهة التوترات التي باتت عنواناً للعالم في عامه الجديد 2022.
لا نبالغ إذا قلنا إن العالم كان في حاجة إلى “إكسبو 2020 دبي” ولعله يشعر بذلك، والذي كان بمثابة الأهم والأكبر في المنطقة وشمال أفريقيا، كما كان الأول من نوعه بهذه الصورة التي شاهدناها بعد جائحة كورونا، رسمت من خلاله الإمارات ابتسامة على شفاه هذا العالم ووضعت من خلاله أيضاً خطط المستقبل وربطت من خلاله عام 2021 بكل ما مر فيه بالعام الجديد 2022.
حضرتني وأنا أتابع هذا الحدث العظيم بعض المقولات التي سمعتها في وقت سابق من شيوخ الإمارات الكرام، والتي يعد “إكسبو 2020 دبي” تطبيقاً عملياً عليها، يقول الشيخ محمد بن راشد، نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة رئيس مجلس الوزراء حاكم إمارة دبي وزير الدفاع في دولة الإمارات “نريد بناء إمارات المستقبل كفريق واحد، بروح الاتحاد، بروح زايد، بروح تعشق القمم، بروح تعشق البناء، معركتنا معركة بناء مستمرة وستبقى”، وهو ما ترجمة “إكسبو 2020 دبي” للإمارات ولكل دول العالم.
المعنى نفسه قاله الشيخ محمد بن زايد، ولي عهد أبو ظبي القائد الأعلى للقوات المسلحة: “نستمد قوتنا من عمقنا التاريخي ومن نهج آبائنا المؤسسين، ومن قوة وعزيمة أبناء الوطن، ولعل هذا هو سر النجاح الحقيقي الذي حققته الإمارات في الخمسين عاماً الماضية وما هو متوقع أن تحققه في الخمسين عاماً القادمة”.
الإمارات العربية المتحدة تحقق نجاحاً مبهراً، فها هي تمد يدها للعالم؛ يدٌ تحمل مشاعل التنمية والسلام والأخرى تحمل الخير لهذا العالم، حتى صارت عنواناً متجسداً لتواصل العقول وصناعة المستقبل، فهي إمارات الخير والأمل وصناعة الحياة.
رسالة الإمارات باتت أكثر وضوحاً للعالم، فأينما كان الخير حطت قدم الإمارات، وأينما كان الخير كانت الإمارات حاضرة، فجمعت بين الخير والحياة، فإذا جاز أن نطلق عليها فهي إمارات الخير والحياة والمستقبل.
أبناء زايد ما زالوا سائرين على العهد، تعالى البناء وتعاظمت الحضارة، وتفاخر العالم كله بإمارات الخير والسلام والتنمية؛ فرسمت شارات المستقبل بيدها بعدما قرأت الواقع جيداً، فتسابق الأبناء إلى المستقبل آملاً في إمارات كبرى تقود بالعطاء والبذل، فحققت إنجازات نوعية وما زالت آفاق العطاء قائمة وموصولة.
“إكسبو 2020 دبي” بمثابة قراءة جديدة لتحديات المستقبل، ليست مجرد قراءة وإنما رؤية للعطاء المتواصل لعالم متحد في ما بينه، يبحث عن حلول لمشاكله، كما يُقلل حجم الصراعات بحيث تحتل القضايا المشتركة محل الصراع عليها من خلال البرامج والسياسات عبر التطور الصناعي والتكنولوجي والبحث العلمي.
الإمارات دولة كبرى وعظمى بين مثيلاتها من الدول الكبرى؛ كبرى بما قدمت على الصعيدين الداخلي والخارجي، وعظمى بسياستها، واقتصادها، وتطورها، وما قدمته في مجال التكنولوجيا والمعلومات والذكاء الاصطناعي، وبعطائها أيضاً وما قدمته للبشرية في أبحاث الفضاء وبما زالت تقدمه للإنسانية جمعاء في مجالات أخرى.
أولت الإمارات اهتماماً كبيراً بالمستقبل من خلال “إكسبو 2020 دبي” عبر الاهتمام بالتكنولوجيا والأنظمة الذكية، ومستقبل الاستدامة والبيئة وتغير المناخ، فكما أنها تهتم بالإنسان باعتباره عصب التطور، فإنها تهتم أيضاً بتوفير الأدوات التي توفر النجاح للعنصر البشري كأحد أهم أولويات النجاح، ولعل ذلك سر نجاح الإمارات في الخمسين عاماً الماضية وسر نجاحها في انطلاقتها القادمة.
لم يغب عن الدولة الاهتمام بمحور بناء قدرات المستقبل، حيث وجهت القيادة بوضع بنية تحتية تنظيمية ومادية قوية لبناء هذا المستقبل والاستثمار في الكوادر الوطنية، فالكادر الوطني هو عصب التنمية المستدامة والجدار الصلب لبناء الدولة على المدى القريب والبعيد.
فأهم رسالة يريد أن يقدمها “إكسبو 2020 دبي” للعالم، هي أن هذا العالم بات عالماً واحداً ولا بد من أن يظل كذلك، عالماً يعيش على أرض واحدة، وبالتالي لا بد من أن يغيب عنه العنف والكراهية، ويعيش تحت سماء واحدة وهو ما يفرض تحدياً بضرورة الحفاظ على مناخه، تحديات مشتركة كثيرة لمواجهة هذه الأخطار، وما بين الأرض والسماء يهمس “إكسبو 2020 دبي” ومعه الإمارات العربية المتحدة برسالة سلام صنعت وما زالت الأمل والحياة.
ما أود أن أختم به فكرتي عبر هذا المقال هو أن مشاريع صناعة الحياة في عالمنا هذا قليلة، هذا العالم الذي لا نكاد نسمع فيه غير صوت البندقية وأزيز الطائرات وتصاعد دخان المجنزرات؛ من المهم أن ترفع راية السلام ولكن الأصعب أن تتخذه سلاحاً لك، والأصعب من هذا وذاك أن تجيد صناعة هذا السلام فيكون مشروعك هو مشروع حياة حتى عندما تُحارب الأعداء، وهذا ما جسدته الإمارات العربية المتحدة في “إكسبو 2020 دبي” وما فرضته على أرض الواقع في مواجهة جماعات الشر والتطرف والإرهاب، فكانت نموذجاً للتعايش وشارة للسلام والخير كما أرادها الآباء المؤسسون وكما سار على دربهم الأبناء المخلصون.