بقلم: سمير عطا الله – صحيفة الشرق الأوسط
الشرق اليوم- المشاهد جميعها مألوفة؛ تماثيل “القائد” تتحطم في المدن. المتظاهرون يحتلون المؤسسات، والشرطة تطلق النار و”تقتل العشرات” وفقاً للبيان الرسمي. التماثيل كلها لرجل واحد طبعاً، وبينها واحد مصنوع من الذهب، من أعلى إلى أخمص. أو العكس. وصاحبه هو نزارباييف، رئيس كازاخستان الشيوعي، ومن ثم رئيسها الرأسمالي، وحاكم ثروتها النفطية الكبرى.
بعد 30 عاماً من الحكم المباشر قرر نزارباييف الانتقال إلى الحكم غير المباشر، وترك للشعب أن ينتخب السيد قاسم جومارت توكاييف. غير أن النفوذ الحقيقي ظل لبنات نزارباييف الثلاث، وكذلك الثروة وفيلات سويسرا وجنوب فرنسا ولندن ونيويورك. الأيام الماضية اهتزت الصورة قليلاً في تاسع أكبر بلد في العالم، وجار الصين وروسيا معاً. وسرعان ما “طلب” توكاييف المساعدة من الرئيس بوتين. والأرجح أن بوتين أرسل المساعدة قبل وصول الطلب من أجل “إعادة الاستقرار” إلى كبرى دول آسيا الوسطى.
لا يطيق بوتين فكرة الفوضى في الجوار. ولا تحتمل روسيا علاقة مضطربة مع جار آخر بعد أوكرانيا. والأسوأ أن تشعر أن هذه حركات مدبرة، أو مؤيدة، من المستر جو بايدن، الذي لم يقطع الحوار مع بوتين، لكنه يصر على مخاطبته بلهجة فوقية.
الثروة النفطية تجعل كازاخستان أكثر أهمية من سواها. وكذلك الثروات الطبيعية الأخرى. في بلد شاسع ومغلق في وقت واحد، لا ميناء فيه. ولذا لا وقت لدى أحد للحفاظ على المظاهر الديمقراطية. وكما لم يتردد بوتين في دعم الجار الآخر ألكسندر لوكاشينكو في الإبقاء على نظامه الديكتاتوري، هكذا يسارع إلى العمل بالنسبة إلى الجار الآسيوي. ديكتاتور أوروبي وديكتاتور آسيوي، والمصادفة الثالثة، بلدان مغلقان برياً. ونظامان من الإرث السوفياتي. وما يكتب الآن في صحف أوروبا، حتى الصحف الروسية الليبرالية، ليس سوى حبر على الورق.
هناك كثير مما يذكِّر بـ”ربيع براغ” 1968 عندما ذهبت قوات حلف فرصوفيا لقمع حركة التمرد في تشيكوسلوفاكيا. ومشهد المظليين الروس الآن في كازاخستان، إلى جانب مظليين من 5 دول أخرى من “منظمة التعاون الأمني” لا يختلف كثيراً. ومن الواضح أن “المنظمة” مجرد غطاء رسمي للاستراتيجية الروسية الكبرى؛ خصوصاً ما كان يسمى في الماضي “نطاقها الحيوي”. وبدا ظل بوتين واضحاً في الإجراءات التي اتخذها الرئيس توكاييف في الداخل من عمليات عزل، أهمها وأبعدها انعكاسات مستقبلية، إقالة نزارباييف من عضوية لجنة الطاقة العليا. المسألة أكثر من عضوية وأكثر من لجنة.