بقلم: جمعة بوكليب – الشرق الأوسط
الشرق اليوم – سكونٌ مريبٌ خيّم، في الفترة الأخيرة، على المشهد الليبي، لا يختلفُ كثيراً عن ذلك الذي يسبق عاصفة. ولذات السبب، يُعدُّ غير مطمئن، ومدعاة للقلق على المستويات كافة داخلياً وخارجياً. الأسبوع الأولُ من أول شهر في العام الجديد 2022 على وشك أن ينقضي، ومع ذلك ما زالت المفوضية العليا للانتخابات لم تفرج بعد عن القائمة الرسمية الأخيرة للمترشحين للرئاسة، في انتخابات مؤجلة قُرر لها أن تُعقد يوم 24 من شهر يناير (كانون الثاني). لكن كل ما تَوفَّر من مؤشرات، حتى الآن، يؤكد استحالة حدوث ذلك. والعوارض والمطبات القانونية والسياسية التي وقفت حائلاً دون انعقادها في 24 من الشهر الماضي ما زالت قائمة. وخلال الفترة الأخيرة شهدت العاصمة طرابلس توتراً عسكرياً بين الجماعات المسلحة، وظهور أخبار عن وصول وحدات مقاتلة قادمة من مدينة مصراتة تَدين بالولاء لوزير الداخلية السابق فتحي باشاغا.
العارفون بمجريات الأمور التي تحدث في عتم الكواليس يقولون إن وصول الوحدات المقاتلة جاء من باب الحذر، لمنع خروج الوضع عن السيطرة، عقب التحركات العسكرية لبعض الجماعات المسلحة في طرابلس لمنع حدوث استبدال حكومة أخرى بحكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة. السيد الدبيبة، من جانبه، أكد في عدة تصريحات عدم رغبته في تسليم الحكومة إلا إلى حكومة منتخبة في انتخابات نزيهة وشرعية، ومتفق على نتائجها. في حين أن المستشارة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة ستيفاني ويليامز، تحث كل الأطراف على الاهتمام بإجراء الانتخابات، وعدم الالتفات إلى أمر بقاء الحكومة، الأمر الذي يشير ضمنياً إلى رغبتها في استمرار حكومة الوحدة الوطنية في أداء أعمالها إلى حين الانتهاء من الانتخابات.
وسائل الإعلام تقول إن الملف الليبي كان ضمن أجندة الحوار الذي تمّ مؤخراً بين الرئيس الأميركي جو بايدن، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين. ولم تصدر تصريحات عن عواصم الدول الأوروبية والإقليمية والعربية المتورطة في النزاع الليبي. هذا السكون ليس دليلاً على أن الأمور تسير وفقاً لخطة موضوعة ومتفق عليها. لعبة الانتظار، إن أمكن القول، تستقطب جميع الأطراف الليبية والأجنبية. إلاّ أنه انتظارٌ حَذِر وباعث على التوتر. ولم يَبدُ في الأفق، حتى الآن، ما يدل على حدوث تغيّر في وجهة الرياح، بما يُبشِّر بفتح ثغرة في جدار صلد.
وفي عتم الكواليس، وراء أبواب مغلقة، تُعقد الاجتماعات، وتُحبك أنسجة المؤامرات، وتوضع أسس اصطفافات جديدة. وفي خضمّ ذلك، وفي غفلة من الجميع، يُصدر النائب العام قراراً بحبس وزيرة الثقافة احتياطياً، لشبهات فساد مالي، ثم يفرج عنها بعد قرابة أسبوع، الأمر الذي أثار غضب رئيس الحكومة السيد الدبيبة. وقبل تلك الحادثة، تعرضت الحكومة لأزمة غير عادية تمثلت في إخفاق وزارة التعليم في توفير الكتب المدرسية. وتبين أن وراء ذلك شخصيات ذات صلة برئيس الحكومة. واتضح كذلك أن المبلغ المرصود لطباعة الكتب مودعٌ في الحساب المصرفي الشخصي لوزير التعليم، حسبما قال رئيس الحكومة نفسه. وما زال التلاميذ، في مختلف المراحل الدراسية، في مختلف المدن الليبية، من دون كتب. والأسوأ من ذلك أن وعد السيد الدبيبة بحل مشكلة انقطاع الكهرباء خلال أشهر قليلة من توليه الحكم، تلاشى في الريح، كما تلاشى قبله وعده بتحقيق الانتخابات. وبدأ سكان العاصمة وغيرها من المدن الليبية، في الأسابيع الأخيرة يعانون من مسلسل انقطاع الكهرباء، ولفترات لا تقل عن أربع ساعات يومياً.
وبدلاً من التصدي للمشكلة، أدلى رئيس الحكومة بتصريح أكد فيه أنه سيصدر قراراً بتسييل مبلغ مليار دينار ليبي آخر، لمواصلة برنامج مساعدة الشباب على الزواج، علماً بأنه سبق للحكومة أن دفعت ملياري دينار ليبي في الفترة القليلة الماضية لنفس الغرض.
كأن أمر مساعدة الشباب على الزواج تميمة مباركة سوف تسهم، بطريقة أو بأخرى، في حل مشكلات معيشية تتفاقم كل يوم. والكثير من المعلقين السياسيين أدانوا في تعليقاتهم تصرف السيد الدبيبة واعتبروه سلوكاً غير مسؤول، بل اتهمه بعضهم بتمويل حملته الانتخابية من مال الخزينة العامة.
هناك خوف لا يخفى في العاصمة طرابلس من إمكانية انفلات زمام السيطرة، مما قد يؤدي إلى اشتعال حرب أخرى بين الجماعات المسلحة.
وهو خوف مشروع، وواقعي جداً. وإلى حد الآن، يسعى كثير من الشخصيات سواء في المجلس الرئاسي أو خارجه إلى محاولة تهدئة الأمور، عبر عقد الاجتماعات مع مختلف قادة الفرق المسلحة. لكنّ التهدئة بمثابة حقنة مؤقتة، يتلاشى تأثيرها متى استشعر أولئك القادة أن مصالحهم عُرضة للخطر.