بقلم: أسعد عبود – النهار العربي
الشرق اليوم – تولي فرنسا رئاسة الإتحاد الأوروبي إعتباراً من أول هذه السنة ولمدة ستة أشهر، يسبق حدثين فرنسيين مهمين: الإنتخابات الرئاسية والانتخابات التشريعية. ورغم أن الرئيس الحالي إيمانويل ماكرون لم يعلن ترشحه لولاية ثانية، فإن كل الدلائل تشير إلى أنه سيفعل، وأنه لن يدع فرصة تولي باريس رئاسة التكتل من دون أن يستخدم ذلك في تعزيز فرص إعادة انتخابه لولاية ثانية في نيسان (أبريل) المقبل.
وليس خافياً أن لدى ماكرون طموحات كي يلعب دوراً قيادياً على المستوى الأوروبي. ويساهم تقاعد المستشارة الألمانية السابقة أنغيلا ميركل من الحياة السياسية، في سعيه هذا باعتبار أن المستشار الألماني الجديد أولاف شولتس يلزمه بعض الوقت كي يثبت كفاءته في ما إذا كان جديراً بتنكب الدور الذي كانت تضطلع به ميركل على الساحة الأوروبية.
وسارع ماكرون إلى التركيز على هذه الناحية مع تولي فرنسا الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي. وهو كان قال في خطاب في 9 كانون الأول (ديسمبر)، إنه يعتزم العمل من أجل “أوروبا قوية في العالم، ذات سيادة كاملة، حرة في خياراتها وسيدة مصيرها”. وحدد 3 مشاريع تحظى بالأولوية خلال الرئاسة الفرنسية، وهي: اعتماد حد أدنى للأجور في كل دول الاتحاد الأوروبي، ووضع ضوابط لعمل الشركات الرقمية العملاقة، واستحداث ضريبة الكربون على المنتجات المستوردة إلى أوروبا وفقا لتأثيرها في البيئة.
ومنذ الانسحاب الأميركي من أفغانستان في آب (أغسطس) الماضي من دون تشاور مسبق مع الزعماء الأوروبيين، وما تلاه من إلغاء أستراليا صفقة الغواصات مع فرنسا واستبدال غواصات أميركية تعمل بالطاقة النووية بها، وماكرون يدعو إلى “استقلالية” أوروبية في المجال الدفاعي. وكان يلقى في ذلك مساندة من ميركل وتحفظاً من دول أوروبا الشرقية التي ترى أن لا غنى لأوروبا عن الدور العسكري الأميركي.
وربما رجحت في الأسابيع الأخيرة كفة المعارضين لـ”الاستقلال” أمنياً عن أميركا، مع التصعيد في أوكرانيا على خلفية الحشد العسكري الروسي والتهديد بغزو ثانٍ لهذا البلد. وهذا ما يبرز صعوبة التحديات التي سيواجهها ماكرون على طريق وضع رؤيته الأوروبية موضع التنفيذ.
وأضف إلى ذلك أنه إذا كان ماكرون قد حدد هذه الأولويات للعمل من أجلها خلال تولي باريس رئاسة الإتحاد الأوروبي، فإن اليمين واليمين المتطرف يتربصان به الدوائر عند كل منعطف، كي يحملا عليه ويظهرا سلبيات الاندفاع الفرنسي نحو أوروبا على حساب ما يعتبرانه تخلياً عن السيادة الوطنية. وستزداد تعبئة اليمين واليمين المتطرف لصفوفهما مع إقتراب الحملات الإنتخابية.
وأبلغ دلالة على ذلك، الضجة التي أثارها اليمين المتطرف حول مسألة رفع علم الإتحاد الأوروبي تحت قوس النصر في باريس إحتفالاً بتولي فرنسا الرئاسة الدورية للاتحاد. وأعرب المرشحان الرئاسيان من اليمين المتطرف مارين لوبن وإريك زمور عن “غضبهما” إزاء استبدال علم الاتحاد الأوروبي بالعلم الفرنسي فوق قبر الجندي المجهول. وأيضاً قالت مرشحة حزب الجمهوريين المحافظ للانتخابات الرئاسية فاليري بيكريس عبر تويتر :”رئاسة أوروبا نعم، محو الهوية الفرنسية كلا!”.
وحمل إحتجاج اليمين السلطات الفرنسية على المسارعة إلى إزالة علم الإتحاد الأوروبي. واتّهم وزير الدولة لشؤون الاتحاد الأوروبي كليمان بون اليمين “بالملاحقة اليائسة للجدل العقيم لليمين المتطرف”. وقال: “إننا نحتضن أوروبا، لكن هذا لا يسلب أي شيء من هويتنا الفرنسية”.
هذه عينة من الصعوبات التي تحيط بظروف تولي باريس الرئاسة الأوروبية. وإذا ما أضيفت إليها التحديات التي يشكلها إنتشار فيروس أوميكرون المتحور الجديد من وباء كورونا على الاقتصادات الأوروبية، فإنه لا يمكن التنبؤ بمدى النجاح الذي يمكن أن يحرزه ماكرون خلال تولي رئاسة التكتل، أو هل فعلاً سيتمكن من الاستفادة من هذه الفترة في تعزيز حظوظه بإعادة انتخابه لولاية ثانية.