افتتاحية صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – قبيل القمة المرتقبة في جنيف في العاشر من الشهر الحالي بين الرئيسين الأمريكي جو بايدن، والروسي فلاديمير بوتين، وبدء الحوار بين روسيا وحلف شمال الأطلسي (الناتو) في الثاني عشر من هذا الشهر، اشتدت وتيرة المواقف والتصريحات النارية بين الجانبين، وارتفع منسوب التهديدات المتبادلة، بما يوحي وكأن عواصف هوجاء تخيم على هذه اللقاءات، وأن نتائجها ستكون مخيبة للآمال ولن تحقق أي اختراق يكبح جماع «الرؤوس الحامية» التي تهيئ للحرب.
يعلن البيت الأبيض أن الرئيس بايدن حذر بوتين من «عقوبات واسعة على روسيا في حال واصلت التصعيد في أزمة أوكرانيا». وتقول وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون)، إنه «في حال حدث توغل روسي داخل أوكرانيا سنكون ملتزمين بالتحرك، ولدينا قوة أطلسية قادرة على ذلك»، في حين وصل وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل إلى أوكرانيا في زيارة ترمي إلى إظهار دعم أوروبا لكييف في مواجهة التهديدات الروسية بقوله: «أنا هنا لأظهر دعم الاتحاد الأوروبي لسيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها»، في حين أشار السفير الروسي لدى الولايات المتحدة في مقال نشرته مجلة «فورين بوليسي» إلى أن «استمرار الغرب في نهجه لخلق التهديدات العسكرية لروسيا (..) سيستدعي رد موسكو على هذه التهديدات».
صحيح أن الأزمة بين الجانبين معقدة وليست هينة، وصحيح أيضاً أن المواقف المتعارضة للطرفين تدخل في صلب تنافسهما الاستراتيجي على مستوى القارة الأوروبية، ولها علاقة بالصراع على النظام العالمي ومناطق النفوذ، لكن الصحيح أيضاً أن الجانبين يدركان حدود هذا التنافس، فدخول روسيا إلى أوكرانيا أمر صعب، ودخول الولايات المتحدة في حرب مفتوحة أكثر صعوبة، وبالتالي لا بد من الجلوس على طاولة الحوار للاتفاق على ضمانات متبادلة؛ أي تقديم تنازلات تضمن مصالح الجانبين، وتهدئ من مخاطر الانزلاق إلى مواجهات كارثية غير محمودة العواقب.
إلا أن هذه المواقف التصعيدية وحرب البيانات المتشددة قبيل قمة جنيف وحوار بروكسل، هي بالمعنى السياسي من عدة الشغل التي تسبق أي عملية مفاوضات معقدة، كي يبدو كل طرف وكأنه ملتزم بمواقفه، لكن خلال المفاوضات يبدأ العد التنازلي بعد أن يطرح كل طرف مخاوفه على الطاولة.
المخاوف الروسية واضحة، وتتعلق بضمانات تطلبها لعدم تمدد حلف الأطلسي شرقاً باتجاه حدودها بما يعرض أمنها القومي للخطر، وأيضاً التوقف عن ضم المزيد من دول أوروبا الشرقية إلى الحلف، وعدم نشر أسلحة هجومية فيها، فيما تريد الدول الغربية من روسيا عدم مهاجمة أوكرانيا، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية وخياراتها السياسية.
تهدئة عواصف التهديدات ممكنة من خلال حوار متكافئ ومصارحة بشأن المخاوف المتبادلة، ووضع خطوط عريضة لضبط النفس بما يحقق مصالح الجميع.