بقلم: دينا دخل الله – الوطن السورية
الشرق اليوم- يميل الحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة إلى اعتبار الإيديولوجيا عاملاً مهماً في السياسة الدولية، وعلى الرغم من أن الشيوعية انتهت منذ أكثر من ثلاثين سنة إلا أن الديمقراطيين ما زالوا يرون في روسيا «إمبراطورية الشر».
منذ فترة تحدث جو وايزبرغ، وهو خبير متقاعد في وكالة المخابرات المركزية الأميركية «C. I. A»، لصحيفة «واشنطن بوست» مصراً بأن الولايات المتحدة لا تزال حتى اليوم ترى نفسها «مركز الفضيلة» وأن روسيا بالمقابل هي مركز الشر.
أكد وايزبرغ استمرار الاعتقاد السائد بين الجنود الأميركيين ورجال المخابرات بأن روسيا تجسد «إمبراطورية الشر» حتى اليوم بغض النظر عن نظامها الاقتصادي والاجتماعي الحالي، وهو يصر على أن الرئيس فلاديمير بوتين يمثل هذه الإمبراطورية الشريرة عدوة الولايات المتحدة اللدودة. وأشاد وايزبرغ بالإجراءات التي اتخذتها بلاده ضد روسيا حيث منحت عضوية الناتو للدول القريبة من روسيا مثل دول البلطيق، أستونيا ولاتفيا وليتوانيا، إضافة إلى بولونيا ورومانيا وبلغاريا.
هذه «النغمة الإيديولوجية» التي خفتت في عهد الجمهوري دونالد ترامب أخذت دفعة جديدة مع الرئيس الديمقراطي بايدن، ويعمل هذا الأخير على إعادة إحياء خطة الديمقراطي الرئيس السابق باراك أوباما لضم فنلندا وأوكرانيا إلى الناتو، فيكون بذلك قد أكمل الحصار الجيوسياسي حول روسيا من الغرب والجنوب عبر بلغاريا وتركيا.
تدغدغ نظرية «مركز الفضيلة» مقابل «إمبراطورية الشر» عواطف الجنود الأميركيين والمواطنين البسطاء، وهي تتخطى حدود الإيديولوجيا إلى المعتقدات الدينية ونمط التفكير المبسط «الأبيض والأسود»، بل إن هذه النظرية تتخطى حدود المصطلحات السياسية لتصبح ركناً مهماً في الفلسفة التطهيرية «البيوريتانية» المنتشرة بين الملايين من البسطاء في أميركا، وخاصة أتباع الكنيسة البروتستانتية.
وفق التطهيرية يصبح العداء لروسيا مسألة إيمان ولاهوت وأخلاق وضمير، وهي بذلك تتخطى مفاهيم السياسة والمصالح فيصبح العداء لروسيا مفهوماً أخلاقياً وإيمانياً، وهكذا تتحول محاربة روسيا إلى قضية وجودية بالنسبة للإنسان العادي الأميركي، قضية هاملتية: «نكون أو لا نكون»، فإذا لم تعمل للقضاء على «الشر» سيقضي هو عليك، ويعبر وايزبرغ عن ذلك بقوله إنه لا يجوز السماع لوجهة نظر بوتين لأنه يمثل «قوة شريرة تهاجم بلدنا وتعمل على نشر الأكاذيب لتأليب الأميركيين ضد بعضهم بعضاً» حسب تعبيره.
بوجه عام ينجح الديمقراطيون في تحويل مواجهة روسيا من مسألة سياسية ومسألة مصالح، إلى قضية إيديولوجية ثم إلى قضية إيمانية وأخلاقية إقصائية، ويؤكد الحزب الديمقراطي أن الصراع بين أميركا وروسيا هو ذاك الصراع التاريخي بين الخير والشر، بين الفضيلة والرذيلة، إنه نوع من «الجهاد المقدس» يشبه «الحرب المقدسة» التي خاضتها النمسا ضد فرنسا نابليون بداية القرن التاسع عشر، وكانت في حقيقتها حرب التخلف الإقطاعي ضد البرجوازية التقدمية الناشئة آنذاك.
إن تحويل أي سياسة إلى فضيلة تحارب رذيلة هو رمز للضعف وتخلف الفكر.