بقلم: مالك العثامنة – الاتحاد الإماراتية
الشرق اليوم- في كهوف ومخابئ أقصي الشرق، تمتد من باكستان حتي ماليزيا، هناك أناس يعتقدون أن خلافة الله على الأرض لا تقوم إلا بالقوة والعنف، وهم لا يفهمون الحلول الوسط، ويعتقدون أن البشرية تعيش ساعاتها الأخيرة، وأن وعد الله القادم من السماء مباشرةً يخصهم هم، ومن يواليهم. وهم يؤمنون أيضاً أن المعركة الفاصلة بين «جند الله» و«جند الشيطان الأكبر» قادمة، وإن لم تأت فهم يسعون إليها، وفي يقينهم أن النهايات السعيدة ستكون بزوال الآخر، ونزول المسيح الذي رفعه الله، بعد أن ينتصر على الدجال، والذي سيفتن العالم بجبروته، ومن بعد كل هذا الدمار الشامل، سيعم الأرضَ السلامُ الشامل.
وفي الطرف الآخر من الأرض، هناك أناس يعيشون في بيوت بيضاء، وجميلة، ويؤمنون علي طريقتهم أيضاً بالله، وباسم الرب يعتقدون أن مملكته لا تقوم إلا بالقوة والغصب، وهم أيضاً لا يفهمون الحلول الوسط (فمن ليس معنا فهو ضدنا)، ويؤمنون أن البشرية لا بد أن تعيش ساعتَها الأخيرة (وهي ألفية قادمة)، ويؤمنون بالمعركة الفاصلة في فلسطين، والتي ستكون نهايتها بزوال الآخر أيضاً، لتقوم «مملكة الرب»، والتي سيعلنها السيد المسيح بعد أن ينتصر على الدجال، وسيعم حينَها السلامُ الشامل، وبعد دمار شامل لا يبقي ولا يذر!
المشكلة في المتطرف، أي متطرف عقائدي، أنه يؤمن تماماً بمطلق صوابه، ومطلق خطأ الآخر والذي يجب إلغاؤه تماماً! وهذا يزيد الأمر تعقيداً، لأنه يسد منافذ الحوار المحتملة للوصول إلي حل وسط.
يذكر التاريخ مثلاً أن الإرهابي عبد الرحمن بن ملجم، والذي اغتال الإمام علي بن أبي طالب، كان حتى لحظة إعدامه مؤمناً بصوابية ما ارتكب من إرهاب، وبأنه سيدخل الجنةَ لأنه أرضى الله بفعلته!
لقد قطعوا يديه ولم يرتدع عن فكرته، وقطعوا قدميه ولم يعلن أسفه، وحين وصلوا إلى لسانه ارتعد، وحين سألوه قال إنه يرغب أن يذكر الله بلسانه حتى آخر لحظة! إنه إيمان مطلق لكن أعمى، والإيمان الأعمى طريق خلفية لجهنم.
مقابل هذا الإرهابي، كان هناك في الدين المسيحي، وهو دين التسامح أساساً، «أرناط» حاكم الإدارة الاحتلالية في الكرك، والذي قام باسم الدين بقتل الحجاج المسلمين الآمنين، وقبل أن يقطع صلاح الدين الأيوبي رأسه كان مؤمناً بقدسية ما ارتكب وأنه أرضى الرب بسفك دماء الآخر.
الأصوليون ممن اختاروا الكهوف مسكناً وطريقة تفكير في الشرق، يرون في نمط حياتهم وقوانين سلوكهم عقيدةً تدخل في باب المقدس، وقد رسموا دائرة طباشير حول هذا المقدس الذي يعتقدونه ليكون كل من هو خارج الدائرة الطباشيرية خارجاً عن الدين ومهدورَ الدم.
كذلك المتطرفون في «ليبراليتهم» على الجانب الآخر من العالم، والذين يرون أن نمط السلوك الاجتماعي الذي اعتادوا عليه يدخل في باب الحضارة المقدسة، وأنها ذروة التطور البشري الذي يجب على الجميع اتباعه، وأن القيم الجديدة بالضرورة يجب أن تلغي كل قيم أخرى على وجه الأرض مهما ارتبطت بوجدان الشعوب.
التطرف دائرة حلزونية لها بدايتها، ومن الصعب الوصول إلى نهايتها دون الشعور بدوار وغثيان.