بقلم: حسن فحص – اندبندنت عربية
الشرق اليوم- في جلسة مع دبلوماسي روسي عمل بسفارة بلاده في العاصمة الإيرانية طهران عام 2007، تطرق الحديث إلى الشكوى الإيرانية من عدم تجاوب موسكو ومماطلة القيادة الروسية في تلبية الطلبات الإيرانية بشراء منظومات أسلحة روسية متطورة، تحديداً منظومة الدفاع الجوي “أس 300″، إضافة إلى أسراب من المقاتلات الحربية من نوعي “ميغ” و”سوخوي”، وأن التعاون الروسي في تزويد إيران بمحركات تُستخدم في مقاتلات “ميغ 29” لتركيبها على هياكل أنتجتها طهران لا يلبّي النقص الكبير والواضح في السلاح الجوي الإيراني وضعفه مقارنة بسلاح الجو في الدول المجاورة، الأمر الذي لا يسمح بأن يكون في مصاف الرد على أي اعتداء جوي إسرائيلي أو أميركي قد تتعرّض له المنشآت الإيرانية الاقتصادية والنووية، بخاصة أن تلك المرحلة شهدت تصاعداً في الحديث عن إمكانية لجوء واشنطن وتل أبيب إلى خيار عملية عسكرية، نتيجة عدم تعاون إيران في أزمة ملفها النووي، الذي ظهر إلى العلن بعد عقود من الأنشطة السرية، بعيداً من أعين الوكالة الدولية للطاقة الذرية والمجتمع الدولي.
الدبلوماسي الروسي لم يتردد كثيراً في الكشف عن موقف إدارته الواضح والصريح في ما يتعلق بهذه التساؤلات والمطالب الإيرانية، بالقول إن الإدارة الروسية لا يمكن أن تلبّي المطالب الإيرانية لأسباب عدة، يأتي في صدارتها:
– أن موسكو لا يمكن أن تبيع لإيران منظومات أسلحة متطورة وقادرة على إحداث تغيير نسبي في الموازين الاستراتيجية العسكرية في المنطقة، بخاصة في ظل أوضاع تشهد تصعيداً من المحتمل أن ينفجر في أي لحظة، لا سيما أن موسكو ملتزمة الحفاظ على المعادلات الإقليمية، تحديداً ما يتعلق بأمن الدولة الإسرائيلية.
– أن إيران غير قادرة على تسديد أثمان هذه المنظومات، في ظل ما تعانيه من آثار العقوبات الاقتصادية الخانقة، وعدم قدرتها على الوصول إلى الأموال المجمّدة في البنوك الدولية، فضلاً عن أن موسكو تحاول الحصول على عائدات هذه الصفقات في أقصر مدة زمنية لدعم اقتصادها الذي يتعرّض لعقوبات غربية أيضاً.
– أن الشروط الإيرانية للصفقات التي تريدها غير ذي جدوى بالنسبة إلى الجانب الروسي، لجهة أن طهران تشترط مشاركة خبراء إيرانيين في عملية التصنيع والتفكيك قبل شحن الأسلحة مفككة إليها، وإعادة تركيبها بأيدي إيرانية بإشراف الخبراء الروس على أراضيها، ما يساعد على تسهيل عملية التصنيع العكسي الذي تبرع فيه، بالتالي يحرم الجانب الروسي من عقود الصيانة والإشراف والتدريب ما بعد البيع.
– الأهم من كل هذه الأسباب، أن موسكو لا يمكن أن تذهب إلى خيار بيع منظومات عسكرية لإيران في وقت يتعرض هذا البلد إلى تهديد عسكري أميركي، وأن القبول بعقد هذه الصفقات قد يجعل موسكو شريكة إلى جانب إيران في أي مواجهة عسكرية قد تحدث بينها وبين أميركا وحلفائها في المنطقة. وهذا ما لا ترغب به القيادة الروسية.
وأشار هذا الدبلوماسي إلى تعامل بلاده في حينه مع مسألة بناء مفاعل بوشهر النووي لإنتاج الطاقة الكهربائية، مؤكداً يومذاك أن التلكؤ الحاصل في عملية استكمال إنشاء وبناء هذا المفاعل، يعود إلى عدم التزام الجانب الإيراني الوفاء بوعوده المالية وعجزه عن تسديد المستحقات الروسية المالية في الأوقات المحددة، فضلاً عن الخلاف حول مسألة الوقود النووي الخاصة بهذا المفاعل (بدرجة تخصيب 3.67) وتخزينه وآلية استرداد اليورانيوم المنضب، الذي يجري استبداله في قلب المفاعل بعد تشغيله، ورفض موسكو الإبقاء عليه داخل الأراضي الإيرانية وإلزام طهران دفع التكلفة المالية لإعادة نقله إلى روسيا.
وعن نشر منظومة “أس 300” في محيط مفاعل بوشهر، قال الدبلوماسي الروسي إن الأمر يتعلق بحرص موسكو على تأمين سلامة الخبراء والعلماء والعاملين في بناء المفاعل من الروس (2500 خبير وتقني) أمام إمكانية تعرّض المنشأة لأي اعتداء من الخارج، وأن إمكانية تسليم هذه المنظومة لاحقاً إلى الجانب الإيراني بعد انتهاء العمل في المفاعل يرتبط بمستقبل العلاقة بين الطرفين، وأن لا تؤثر في موقف موسكو مع المجتمع الدولي واتهامها بخرق الحظر الدولي لبيع الأسلحة للنظام الإيراني.
وفي الوقت الذي تراهن طهران على دفع موسكو إلى نقل العلاقة بينهما إلى مستوى استراتيجي، وأن تشكّل الزيارة المرتقبة للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى روسيا خلال يناير (كانون الثاني) 2022 تحوّلاً في طبيعة العلاقة بين الطرفين نتيجة الاتفاقية الاستراتيجية المزمع توقعيها لمدة عشرين عاماً، فإن العقدة في هذه الاتفاقية وهذه العلاقة تأتي من الجانب الروسي، الذي يفضّل أن تبقى العلاقة مع إيران ما دون العلاقة والتحالف الاستراتيجي، بما يضمن له الاستفادة والاستغلال الدائم للحاجة الإيرانية لحليف فاعل ومؤثر على المستوى الدولي، يمكن أن يقدم لها المساعدة في مواجهة الضغوط الأميركية، التي لا ولم تسلم منها موسكو أيضاً.
وإذا ما كان الرئيس الإيراني ومعه الأطراف الداخلية المتمسكة بتعزيز العلاقة مع موسكو لأسباب داخلية وأخرى خارجية، يراهنون على أن تثمر الزيارة المرتقبة لرئيسي تعاوناً روسياً عسكرياً، وأن تفتح موسكو مصانعها العسكرية والدفاعية أمام الطموحات الإيرانية، بخاصة ما يُلبّي حاجة طهران في مجال تعزيز قدراتها في السلاح الجوي، وأن توافق القيادة الروسية على بيعها 24 مقاتلة حربية استراتيجية من نوع “سوخوي – 35″، إضافة إلى منظومة دفاع جوي متطورة من نوع “أس 400” إلى جانب رادارات عسكرية متطورة، فإن إيران في المقابل أضاعت فرصة ثمينة للحصول على منظومة “أس 300” مبكراً ما بين عامي 2003 و2004 بأقل من السعر الذي دفعته لاحقاً، لو أحسنت استغلال حاجة موسكو حينها للحصول على الأموال في إطار مساعيها للخروج من الأزمة الاقتصادية التي ورثتها عن مرحلة قيادة بوريس يلتسين للبلاد بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، ولم يدخل الفريق الإيراني المفاوض في المساومة مع المفاوض الروسي في لعبة رفع الأسعار للحصول على عمولة مالية، ما أفشل التوصل إلى الصفقة وانتهى بدخول رئيس الفريق المفاوض الإيراني إلى السجن واتهامه بالفساد والإضرار بمصالح الدولة.
هذا التعامل الروسي المبكر مع النظام الإيراني واستغلال حاجاته العسكرية والأمنية وابتزاز مكامن النقص في قدراته أمام الضغوط الدولية والتهديدات العسكرية، هي التي تدفع القوى السياسية الإيرانية، سواء بعض المحافظين وغالبية الإصلاحيين، إلى التشكيك بالدوافع الروسية في المفاوضات النووية التي جرت وتجري مع الخماسية الدولية، بخاصة أن المندوب الروسي في الأمم المتحدة ميخائيل أوليانوف تحوّل إلى ما يشبه المتحدث باسم الطرف الإيراني، ويمارس ضغوطاً من خارج الضغوط الأميركية والأوروبية تصب في سياق تعزيز دوره المُمسك بالمصالح الإيرانية، بخاصة بعد إعلانه أن على إيران القبول عند التوقيع على الاتفاق الذي بات قريباً بنقل إنتاجها من اليورانيوم المخصّب بدرجة 60 في المئة مع أجهزة الطرد المركزي المتطورة IR6s إلى روسيا. فهل سيكون النظام الإيراني قادراً على التوفيق بين الابتزاز الروسي وشجاعة الانفتاح على الغرب وأميركا وكسر دائرة الخوف من هذه العلاقة؟!