افتتاحية صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – لم يصمد رئيس الحكومة السودانية عبدالله حمدوك طويلاً، بعد عودته عن استقالته قبل أسابيع، فقرر الاستقالة من منصبه مجدداً يوم أمس، بعدما وجد نفسه غير قادر على مواصلة مهمته في وضع حد للانقسام بين مكوني الثورة (الجيش وقوى الحرية والتغيير) والذي أدى إلى مزيد من الانقسام، وانقطاع الحوار، مع سقوط المزيد من الضحايا المدنيين خلال المواجهات بين المتظاهرين وقوى الأمن في معظم المدن السودانية للمطالبة بعودة النظام المدني بالكامل، وتطبيق مضمون الوثيقة الدستورية التي تم التوافق عليها بين الجيش والمدنيين بعد الثورة التي أطاحت بنظام عمر البشير.
حمدوك كان صادقاً مع نفسه، ورفض أن يكون «كبش محرقة» في الصراع القائم، بعدما فشل في تجسير العلاقة بين الجيش والمدنيين، فأقر بفشله قائلاً: «لقد حاولت بقدر استطاعتي أن أجنب بلادنا خطر الانزلاق نحو الكارثة..ورغم ما بذلت كي يحدث التوافق المنشود والضروري للإيفاء بما وعدنا به المواطن من أمن وسلام وعدالة وحقن للدماء.. ولكن ذلك لم يحدث».
لذلك يرد حمدوك الأمانة بعدما فشل، لكنه في نفس الوقت حدد أسباب الأزمة السياسية القائمة، مؤكداً أن «الشعب هو السلطة السيادية النهائية والقوات المسلحة هي قوات هذا الشعب تأتمر بأمره، وتحفظ أمنه، وتصون وحدته وسلامة أراضيه، وهي منه وإليه ويجب أن تدافع عن أهدافه ومبادئه.. تحت شعار جيش واحد شعب واحد»، وذلك في إطار الفصل بين دور الجيش والشعب في نطاق الدولة المدنية الديمقراطية، من دون أن يتغول طرف على حقوق ودور أي طرف آخر.
إن استقالة حمدوك تضع السودان مجدداً أمام خطر داهم، وتترك السودان في مهب الريح، لأن أية شخصية مدنية أخرى لن تجرؤ على تولي منصب يبدو وكأنه «كرة نار» أو كرسي من الشوك، ما دام الوضع بات عصياً على الحل في ظل تمسك كل طرف بموقفه، وتحول ذلك تدريجياً إلى أزمة شاملة مع الوتيرة المتسارعة للتباعد والانقسام بين شريكي الثورة، خصوصاً، مع وصول تلك الانقسامات «إلى المجتمع ومكوناته المختلفة، حيث ظهر خطاب الكراهية والتخوين وعدم الاعتراف بالآخر، وانسد أفق الحوار بين الجميع.. كل ذلك جعل مسيرة الانتقال هشة ومملوءة بالعقبات والتحديات»، حسب قول حمدوك.
لقد تولى حمدوك منصبه في أغسطس / آب 2019 وفق وثيقة دستورية وتوافق سياسي بين المكونين العسكري والمدني، لكن ما لبث أن برز الخلاف جراء عدم الالتزام بمضمونها، ما فجّر الخلاف بين المكونين، وأدى إلى ما أدى إليه، وصولاً إلى الوضع الراهن.
الحقيقة أن هناك انعدام ثقة بين المكونين العسكري والمدني، أدى إلى تنافر بين ما يطلبه كل مكّون ويسعى إلى تحقيقه، من منطلق أن كل مكّون يرى أن موقفه على صواب، وأن لديه من القوة ما يمكنّه من فرض إرادته على الآخر.. والسودانيون الغارقون بالأزمات الاقتصادية والاجتماعية والفساد والديون هم وحدهم من يدفع الثمن.