بقلم: عمرو الشوبكي – المصري اليوم
الشرق اليوم – استقال عبدالله حمدوك بعد أسابيع قليلة من عودته إلى موقعه رئيسًا للوزراء، ودخل السودان في نفق صعب يحمل كثيرًا من المخاطر، ويفرض على قواه الحية تحديات جسيمة إذا أرادوا إنقاذ وطنهم من خطر الفوضى والانهيار.
ومثّل «حمدوك» «مشروع جسر» بين كثير من مكونات الشعب السوداني، فالرجل دعمته حاضنة شعبية، متمثلة في قوى «الحرية والتغيير» وكثير من القوى الثورية، وتقبّله المجلس العسكري، وكان أداء حكومته مُخيِّبًا لآمال كثيرين، وقرر الفريق البرهان في شهر أكتوبر الماضي عزله من منصبه ونال دعم تيار الميثاق الوطني في داخل «الحرية والتغيير» بجانب بعض التيارات الحزبية والقوى التقليدية، ولكنه فشل في اختيار حكومة جديدة أمام ضغط الشارع الذي طالب بعودة «حمدوك».
ورغم عودة «حمدوك» إلى منصبه الشهر الماضي، فإن القوى الثورية، ممثلة في لجان المقاومة وتجمع المهنيين وقوى الحرية والتغيير (المجلس المركزي)، استمرت في تظاهراتها، التي طافت العديد من المدن السودانية، خاصة الخرطوم وأم درمان، وسقط في آخرها ثلاثة قتلى ومئات المصابين، مطالبة بفض أي شراكة مع المكون العسكري.
والمؤكد أن هذا الإصرار وهذه الصلابة اللذين تمتع بهما الشعب السوداني في دفاعه عن دولته المدنية أمر محل إشادة وتقدير رغم الصعوبات الاقتصادية والأمنية التي تعاني منها البلاد، كما مثّلت هذه المظاهرات أيضًا رسالة واضحة بأن المسار السياسي متعدد الأطراف وليس حكرًا على طرف واحد، فكما لا يمكن تجاهل تأثير قوى الاحتجاج والرفض للمجلس السيادي في تعبئة هذه المظاهرات، فإنه لا يمكن تجاهل وجود قوى أخرى تقليدية ومعها تيار من «الحرية والتغيير» نفسها (مجموعة الميثاق الوطني) تؤيد «البرهان» وتمثل حاضنة داعمة لدور الجيش.
وإذا كانت مطالب الاحتجاجات الأولى بعودة «حمدوك» واستمرار شراكة المرحلة الانتقالية بين المكونين المدني والعسكري قد حققت هدفها بعودة الرجل، إلا أن فشله في القيام بمهامه على مدار الشهر الماضي، وتحميله من كل الأطراف مسؤولية هذا الفشل دفعاه إلى الاستقالة، بما يطرح السؤال: هل للاحتجاجات الحالية أي أهداف جديدة يمكن تحقيقها؟
الحقيقة أن البدائل التي خرجت من بعض قيادات التظاهرات الحالية تبدو صادمة، فبعيدًا عن شعارات رفض التفاوض والشراكة مع «العسكر»، فإن ما طرحه تجمع المهنيين بديلًا للوضع الحالي هو اختيار حكومة مدنية انتقالية تقود البلاد لمدة أربع سنوات؟ وهو مقترح كارثي لأنه سيعنى اختيار حكومة غير منتخبة شرعيتها منقوصة، ومطلوب منها أن تقود البلاد لمدة أربع سنوات أخرى، بما يعنى دخول البلاد في حالة من الفوضى والتفكك.
لا يمكن إخراج المكون العسكري من المرحلة الانتقالية، ولا يمكن تجاهل حاضنته الشعبية، حتى لو لم تكن تتظاهر كل يوم، إنما يمكن إصلاح المؤسسة العسكرية وباقي مؤسسات الدولة عبر حكومة منتخبة، وليس عبر فصيل ثوري يقول إن شرعيته في احتجاجات الشارع.