بقلم: سناء الجاك – سكاي نيوز
الشرق اليوم- يتزامن استئناف الجولة الثامنة من المفاوضات غير المباشرة في فيينا بين الولايات المتحدة وإيران بهدف إحياء الاتفاق النووي لعام 2015، مع الذكرى الثانية لاغتيال مسؤول العمليات الخارجية في الحرس الثوري الجنرال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس.
وأعلنت وزارة الخارجية الإيرانية أن طهران “ستقاضي الآمرين ومرتكبي جريمة الاغتيال”.
ووجه مساعد الرئيس الإيراني للشؤون القانونية محمد دهقان رسالة إلى الأمم المتحدة داعيا إياها إلى توجيه كل إمكانياتها “لإدانة هذا العمل الإرهابي وتجنب مثل هذه الجرائم في المستقبل”.
لكن الخطابات والرسائل الرسمية ليست إلا غلافا لا علاقة له بمحتوى السياسات الإيرانية الحقيقية، التي تتكشف خفاياها تباعا، وآخرها ما ذكره أكبر صالحي، وزير الخارجية في حكومة محمود أحمدي نجاد، من أن سليماني استخدم الدبلوماسية والسياسة بشكل جيد لتمرير الأهداف العسكرية بأقل تكلفة ممكنة.
وقال صالحي إنه طلب من سليماني أن “يساعد في تمرير محادثات سرية مع الولايات المتحدة وتخفيف الضغوط على وزارة الخارجية، ووعد سليماني بذلك، لكن فترة الحكومة انتهت، علما أن هذه المفاوضات جرت في السنوات الأخيرة من حكومة نجاد وتمت بإذن من المرشد”.
بالتالي يصبح الغلاف وما يحتويه من قنابل صوتية لإحياء ذكرى الاغتيال أكثر هشاشة، بحيث لا يخفي الانهيار البطيء الذي تعاني منه إيران الواقفة على عتبة المفاوضات، وكأن سياسة “النفس الطويل” و”الصبر الاستراتيجي” لم تعد كافية وفعّالة.
وإلا لما ترافقت هذه الجولة من المفاوضات مع المعلومات المتواترة عن ضغط روسي وصيني لعب دورا لدفع إيران إلى تقديم تنازلات تمهد لإمكان التوصل إلى اتفاق في أسرع وقت ممكن لاستغلال “الفرصة الأخيرة” التي لوّح بها الجانب الأميركي.
الظاهر أن إيران ستستغل هذه “الفرصة الأخيرة” على طريقتها، وليس مستبعدا أن ترفع سقف الخطابات وتكثف مفعول القنابل الصوتية، لكن لا شيء أكثر.
وستعتمد في ذلك على فلسفة قلب الوقائع، وتحول التنازلات والهزائم إلى انتصارات ستحاول الاستفادة منها في أماكن يمكن استثمارها فيها، وهي “الدول الحرة المجاورة” التي ذكرها الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني، عقب الاغتيال، معتبرا أن “أمة إيران العظيمة والدول الحرة المجاورة سترد وستنتقم من هذه الجريمة المروعة من الولايات المتحدة المجرمة”.
في حينه، لبّت الذراع الأقوى المتمثلة بـ”حزب الله” النداء، وتعهد الأمين العام للحزب حسن نصر الله بأنه “عندما تبدأ نعوش الضباط والجنود الأميركيين بالعودة إلى بلادهم سيدرك الرئيس السابق دونالد ترامب أنه خسر، وعندما يرحل الأميركيون عن منطقتنا سيصبح تحرير القدس أقرب من أي وقت مضى”، معتبرا أن “تاريخ 2 يناير 2020 هو تاريخ فاصل لبداية مرحلة جديدة وتاريخ جديد لكل المنطقة”.
وباعتباره هذا، لامس نصر الله حقيقة تتوضح مؤشراتها يوما بعد يوم، ولكن في اتجاه معاكس لما قصده.
فالانهيار البطيء لسطوة إيران على “الدول الحرة المجاورة” لا يمكن إنكاره.
وليس صحيحا أن هذه السطوة “غير الضعيفة” لا تحتاج إلى حلفائها، كما ذكر نصر الله في الذكرى السنوية الأولى لمقتل سليماني وكأنه بذلك يبرر غياب النعوش.
ولعل إحدى هذه المؤشرات تبرزها الساحة العراقية بانتخاباتها وما تلاها من محاولة لاغتيال رئيس الوزراء مصطفى القاسمي ومسارعة خليفة سليماني إسماعيل قاآني إلى بغداد بهدف لململة آثارها.
كما أن تحوّل شعار “رفع الاحتلال الإيراني عن لبنان” مؤشرا آخر على انكسار السطوة بما يمهد لعد عكسي بدأت ملامحه تظهر في الساحة الداخلية اللبنانية، بحيث بات حليف الحزب الذي يؤمّن له الغطاء المسيحي يسعى إلى التمايز عنه وابتزازه في آن معا حفاظا على مصالحه.
ومع وفاة سفير الحرس الثوري لدى ميليشيات الحوثي حسن إيرلو متأثرا بـ”إصابته بفيروس كورونا”، أسئلة تطرح.. أما الغارات الإسرائيلية المكثفة والمتلاحقة على مواقع إيرانية وتابعة لـ”حزب الله” في سوريا، فهي تحمل في إبعادها ما يتجاوز المؤشرات إلى الفعل الواضح والمباشر، والذي يبقى بلا ردود فعل ميدانية، لتقتصر مواقف إيران والحزب على معادلات القوة الخارقة التي تعرف “متى ترد وأين ترد”.
ولا تنتهي المؤشرات والضربات التي تكشف الارتباك السائد على خط الردود الإيرانية وضعف الغلاف الهش والمحتوى المتآكلة قوته، والتي ستسلط الضوء عليها مفاوضات فيينا، وتحديدا لجهة رفض شرط كبير المفاوضين الإيرانيين، علي باقري كني، “رفع العقوبات كاملة” قبل أن يتم التفاوض حول القضايا النووية.
فما بعد مقتل سليماني ليس كما قبله، والنظام الذي يواجه اضطرابات اقتصادية واحتجاجات شعبية، قد لا يكون قادرا على تحمل الضغوط المضاعفة لفشل المفاوضات واستمرار العقوبات، والمجموعات التي تعمل بالوكالة لخدمة الأجندة الإيرانية، هي بدورها ليست كما قبل.
ولعل إيران ستكتفي بالرسالة الموجهة إلى الأمم المتحدة لدعوتها إلى استنفاذ كل إمكانياتها “لإدانة هذا العمل الإرهابي وتجنب مثل هذه الجرائم في المستقبل”.. ناهيك عن مذكرة قبض بحق الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، بتهمة اغتيال قائد الحرس الثوري الإيراني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي والمرافقين لهم، التي أصدرتها محكمة تحقيق الرصافة في بغداد بتاريخ السابع من يناير 2021، ويمكن استخدامها لرد اعتبار معنوي ليس أكثر.