الشرق اليوم- شهد العام المنصرم العديد من الأحداث العاصفة في المنطقة العربية والعالم مثل استيلاء حركة طالبان على السلطة في أفغانستان وما يوصف بالانقلاب على الدستور في تونس واستحواذ العسكر على الحكم في السودان، وغير ذلك من الوقائع التي وصمت تلك السنة. ومع إطلالة العام الجديد يتوقع الباحثون خمسة أمور أو قضايا سوف تكون مؤثرة في السياسة الخارجية الدولية.
التطورات السياسية في الشرق الأوسط
بالنسبة للمنطقة العربية، يرى كل من الإعلامي ستيفن كوك، والباحث إيني إنريكو ماتي أن العام الجديد سوف يكشف إلى أي مدى يمكن إعادة تأهيل النظام السوري برئاسة بشار الأسد، وتطبيع العلاقات معه، فبعد “توقعات بأن يكون مصير الأخير مماثلا لما حدث لكل من زين العابدين بن علي في تونس أو محمد حسني مبارك في مصر”، بدأت الشكوك تظهر بإمكانية استمراره بعد بقائه على سدة الحكم منذ انطلاقة الاحتجاجات ضد حكمه في مارس من العام 2011.
ولفت الباحثان إلى أنه رغم الأزمات الاقتصادية التي تعاني منها سوريا فإن الأسد بدأ يشعر بالأمل في إعادة تأهيله لا سيما بعد تواصله مؤخرا مع العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، ومن بعدها زيارة وزير خارجية الإمارات عبدالله بن زايد إلى دمشق، “وكلا الأمرين لم يواجهها برد قوي من إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن”، بحسب المجلة الأمريكية.
وفي الشأن التركي، يترقب كوك كما يقول الأوضاع في تركيا، وفيما إذا كانت تجري انتخابات رئاسية مبكرة في العام الحالي سوف عوضا عن العام القادم 2023، مضيفا: “لماذا قد يرغب الرئيس رجب طيب إردوغان، وهو في موقف ضعيف نسبيًا، في ذهاب الأتراك إلى صناديق الاقتراع مبكرًا.. أظن ذلك أمر لا معنى له”.
ويضيف مستدركا: “ولكن يبدو أن مجموعة من الصحفيين والمحللين الأتراك ومع بعضهم الشخصيات المعارضة مقتنعين بإمكانية حدوث ذلك، وفي حال جرت فعلا تلك الانتخابات فلن تكون المرة الأولى التي تخيب فيها توقعاتي”.
أخيرًا، والكلام لكوك، “فإنني مهتم بكيفية استجابة الأحزاب الإسلامية في المنطقة للتغييرات التي طرأت في العام الماضي وأثرت عليهم”، موضحا: “لقد كاد حزب العدالة والتنمية المغربي أن يقضي على مستقبله نهائيا في انتخابات سبتمبر الماضي التي تعرض فيها لخسارة قاسية جدا”.
وتابع: “وعلى نفس المنوال تعرضت حركة النهضة في تونس لانتكاسة كبيرة بعد تجميد الرئيس قيس سعيد أعمال البرلمان في يوليو الماضي، بينما لم يتمكن حزب العدالة والتنمية التركي من وقف الانحدار الكبير في شعبيته رغم أنه لا يزال يحظى بدعم ثلث الأتراك”.
وختم بالقول: “رضوخ الحكومة التركية لمطالب مصر بالتخلي عن دعم جماعة الأخوان المسلمين مقابل علاقات ثنائية أفضل، يكشف قدرات الأحزاب وجماعة الإسلام السياسي على التكيف مع الظروف وأنهم أصحاب نفس طويل، وبالتالي سوف يعملون على التكيف مع الظروف وإعادة تجميع صفوفهم بعد عام من الانتكاسات وبالتالي فإن ذلك سوف يكون من أكثر القصص إثارة للاهتمام بشأن التطورات بالشرق الأوسط خلال العام الجديد”.
الانتخابات الأوروبية
وفي هذا المجال تقول مراسلة مجلة “فورين بوليسي” في أوروبا، كارولين دي غروتر، إنها في العام الجديد سوف تبحث القارة العجوز عن سياسيين أوروبيين يفوزون في الانتخابات دون انتقاد الاتحاد الأوروبي.
وتتابع: “إحدى المشاكل الرئيسية التي يواجهها الاتحاد الأوروبي هي أن السياسيين المحليين يستخدمونه باستمرار كبش فداء للفوز بالانتخابات في بلادهم”، مضيفة: “ستكون أوروبا في وضع أفضل بكثير إذا بدأ السياسيون في التحلي بالصدق بشأن الاتحاد الأوروبي ودورهم الكبير في صنع القرار في بروكسل”.
ففي عام 2016، والحديث لدي غروتر، أخبر أحد المستشارين أستاذ الاقتصاد النمساوي ألكسندر فان دير بيلن، الذي كان حينها مرشحًا لرئاسة البلاد، أن يكثر من الانتقادات للاتحاد الأوروبي، لأن ذلك سيجعله أكثر شعبية، ولكن دير بيلن، العضو الهادئ والمؤثر في حزب الخضر النمساوي، رفض تلك النصيحة، معتبرا أن الناس قد عهدوه وهو يدافع عن التكامل الأوروبي وأي تغيير في ذلك سوف يفقده مصداقيته.
وتابعت غروتر: “مع أن عام 2022 لم يكن قد بدأ بالفعل، حتى أعلن المفوض الأوروبي السابق ميشيل بارنييه عن ترشحه للانتخابات الرئاسية الفرنسية القادمة، وليهاجم محكمة العدل الأوروبية وسياسات الاتحاد الأوروبي، لكن ناخبي حزب “الجمهوريون” عاقبوه واختاروا فاليري بيكريس لتواجه ماكرون”.
ولاية أوتار براديش.. ومستقبل الهند
تعد ولاية أوتار براديش (وتعني باللغة الهندية “المقاطعة الشمالية”) الأكثر اكتظاظا بالسكان حيث يبلغ عدد سكانها 241 مليون نسمة، وهي بالتالي على موعد في مارس القادم لانتخاب مجلس تشريعي جديد وكذلك رئيس وزراء لها، وستكون نتيجة الانتخابات ذات أهمية كبيرة تنعكس على مستقبل الهند وديمقراطيتها العلمانية.
وفي هذا الصدد يقول الباحث وأستاذ العلوم السياسية، سوميت جانجولي، إن رئيس الوزراء الحالي للولاية يوغي أديتياناث، وهو كاهن هندوسي ينتمي إلى حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم، قد ركز منذ توليه منصبه في مارس 2017 على شيطنة مواطنيه المسلمين والأقليات الأخرى عوضا عن التركيز على التنمية الاجتماعية والاقتصادية.
وبالنظر إلى أن ولاية أوتار براديش تتمتع بأكبر عدد من المقاعد في غرفتي البرلمان الوطني الهندي، فإن الحفاظ على السيطرة على المجلس التشريعي للولاية يظل ضرورة حتمية لحكومة حزب بهاراتيا جاناتا القومي الهندوسي برئاسة رئيس الوزراء ناريندرا مودي. ولتحقيق هذه الغاية، دأب الأخير على العمل بشكل دؤوب لتعزيز الآفاق الانتخابية لأديتياناث .
ونظرًا لأن كلا من مودي وأديتياناث ينتميان إلى القومية الهندوسية اليمنية، فكلاهما لديهما رؤية مشتركة لتحويل الهند إلى دولة إثنوقراطية (دينية)، وبالتالي فإن نتائج الانتخاب في أوتار براديش سوف تكون جديرة بالمراقبة لمعرفة مصير النظام العلماني في البلاد مستقبلا.
نقص الكوادر البشرية في أعالي البحار
ترى الكاتبة الصحيفة في مجلة “فورين بوليسي”، إليزابيث براو، أن قضية نقص الكوادر البشرية المتوقعة في مجال الشحن البحري التجاري تستحق المراقبة خلال العام الجديد، باعتبار أن 80 بالمئة من التجارة العالمية من حيث الوزن والحجم تنقل عبر السفن التي تمخر عباب البحار المحيطات والبحار على مدار الساعة.
وتقول براو أنه بحسبة بسيطة فإن حصة كل شخص على كوكب الأرض تبلغ 1.5 طن من البضائع التي يجري شحنها عن طريق البحر، موضحة أنه في حال توقفت السفن فإن ذلك سوف يؤثر على حياة البشرية بشكل كبير.
وتضيف: “وفي حين يشهد النقل البحري نموًا هائلاً نتيجة للعولمة، أصبح الناس أقل رغبة في العمل على أسطح تلك السفن، فهناك حاليا نحو 50 ألف سفينة شحن يعمل عليها بحارة وعمال من الصين والفلبين وإندونيسيا وروسيا وأوكرانيا والهند، وفي مقابل ذلك لم يعد يرغب الكثير من مواطني الدول الغربية في العمل بذلك القطاع”، والذي يعد حيويا لنقل الكثير من البضائع الاستراتيجية لا سيما النفط.
وتشير براو إلى أن جائحة فيروس كورونا المستجد أضعفت الرغبة الخافتة بالأساس للعمل في هذا المجال ولا سيما بعد اضطر الكثير من عمال تلك السفن للبقاء في البحر لعدم قدرتهم على النزول إلى البر بسبب فرض الحجر الصحي على مراكبهم.
وتعتبر الباحثة أن استقالة عشر البحارة في العالم والذي يقدر عددهم بنحو 1.6 مليون شخص سوف يؤدي إلى اضطرابات هائلة في سلسلة التوريد، لتختم بالقول بأنها سوف تراقب في العام الجديد مسألة توظيف المزيد من عمال السفن لأنهم ورغم عدم حظيهم باهتمام كبير فإن “أولئك الأشخاص بيدهم أن يجعلوا حياتنا مرحية للغاية أو بائسة جدا”.
التقلبات الانتخابية في أمريكا اللاتينية
بدأ التأثير الاقتصادي والاجتماعي القاسي بشكل غير متناسب لجائحة فيروس كورونا المستجد على أميركا اللاتينية في مواسم الانتخابات خلال السنة الماضية والعام الجديد.
فبحسب الباحث، كريستوفر ساباتيني، أظهرت الانتخابات الرئاسية الرئيسية في تشيلي والإكوادور وهندوراس وبيرو والانتخابات التشريعية النصفية في الأرجنتين والمكسيك والسلفادور نكهة مميزة مناهضة للنظام.
وأشار الباحث إلى أن تلك الاتجاهات سوف تستمر خلال الانتخابات الرئاسية لعام 2022 في البرازيل وكولومبيا حيث يُظهر الناخبون معدلات رفض عالية للرؤساء الحاليين، رغم أنه لا يزال من الأمور الغامضة لمعرفة فيما إذا كان الرئيس البرازيلي جاير بولسونارو، سيقبل الهزيمة الانتخابية أم لا؟.
وتابع: “سوف تؤدي التقلبات في الإدارات والاستقطاب السياسي المحلي إلى تحولات صارخة في السياسات الخارجية والعلاقات التجارية والتماسك الإقليمي والقدرة على معالجة التحديات الأمنية والجيوسياسية الأوسع”، مضيفا: “تلك التقلبات فتحت المزيد من الفرص لبكين لفرض نفوذ دبلوماسي واقتصادي أكبر، في حين تبدو فيه الولايات المتحدة مصممة بشكل متزايد على إعادة تأكيد نفوذها ومكانتها في مواجهة التنين الصيني”.
ترجمة: الحرة