بقلم: د. محمد البشاري – صحيفة الاتحاد
الشرق اليوم- تصدر “القلقُ” المرتبطُ بالتغيرات المناخية قائمةَ هموم العالم، بعد تحقيق وباء “كوفيد-19” تقدماً ملحوظاً بأشواط مضاعفة، إذ احتل الوباءُ شباكَ المخاوف الصحية العالمية عبر عناوين الصحف والمجلات، وحتى المناسبات والأحداث اليومية، في سياق كاد يُنسِي العالمَ الخطرَ المحدق بالنظام البيئي وما يعتريه من تحديات.
سيل التغيرات المناخية العارمة الذي يكتسح الساحة العالمية، يمثل خطراً متزايداً يلقي بظلاله على كافة قطاعات الحياة، وفي سياقه يثور السؤال: كيف يمكن الوصول للأمن الغذائي والأمن المائي باعتبارهما ضرورة ملحة وأولوية قصوى بالنسبة لجميع الدول والحكومات والشعوب، لاسيما في ظل تعاقب الجوائح؟
إن استدامة الأزمة المناخية، أو ما أسميه “عقاب الطبيعة” للإنسان، يعني فشل الاستدامة الدافعة بتطوره وتحقيق أمنه الأساسي، وهو خبر غير مرحب به على الإطلاق، خاصةً في ظل التحديات العالمية التي تزيد وطأتُها على الدول والحكومات يوماً بعد آخر، لا سيما أن إيقاف النزيف المرتبط بأمن الغذاء والماء يحتاج إجراءات تسبقها قرارات عاجلة ومفصلية، مما يشكل عقدةً كبيرةً في قدرة الحكومات على التفريق بين المهم والأهم في سلم أولوياتها.
ومن ناحية أخرى، لا بد من نظرة متزنة وعادلة بحق الحكومات قبل إطلاق الحكم على تقارير أدائها السنوية، وبخاصة أن العالم منذ نهاية عام 2020 وحتى الآن ما يزال في مواجهة شرسة مع الموجات المتلاحقة لانتشار فيروس “كوفيد-19” ومتحوراته المتعاقبة. إن هذه النظرة الطامحة للوصول إلى صورة واضحة، ومقارنة دقيقة بين الإمكانات والحاجات، لم تحظ بعد بفرصة لتنفس الصعداء، إذ تتلاحق التحولات المؤذِنة بتغير عالمي ليس في الأنظمة الاقتصادية والسياسية والمناخية والتعليمية فحسب، بل في تركيبة الإنسان نفسه، ومستويات تفكيره، وترتيب أهدافه وأولوياته.. إذ إن أزمة المناخ العالمية هي تنبيه أولي لإمكانية تدفق الأزمات الناتجة عن الكوارث الطبيعية، والتي لا يمكن الاستهانة بقوة صدمتها، إذ شهد عام 2020 أكبر عدد من العواصف التي لم يسبق لها مثيل، بما يصل ثلاثين عاصفة، بحسب صحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية، مما يزيد حجم الخطر المتوقع على أساسيات العيش للمجتمعات من ماء وغذاء.
وبحسب تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، فإن التأثيرات والمخاطر المرتبطة بأسباب الشعور بالقلق حول هذه القضية، تشير لوجود قلق حول النظام البيئي باعتباره فريداً من نوعه ومهدَّداً في ذات الوقت، إضافةً لما يصاحب ذلك من القلق من أحداث الطقس المتطرفة، وأشكال توزيع التأثيرات، وما ستؤول إليه مجتمعةً من إجمالي تأثيرات على المستوى العالمي، وما يمكن للعالم أن يواجهه من حوادث فردية ذات انتشار واسع النطاق.
أولويات العمل الحكومي التي يتم العمل عليها لا لنشرها كفكرة، بل للإسهاب في ردم القصور الفعلي في المجال المناخي فيما سبق، واقتصاره على مشاريع تشريعات، يدفع بالاستراتيجيات الوطنية والعالمية، لتحقيق أعلى نسبة ممكنة من التقدم الحيوي في مجالات الأمن الغذائي والمائي، والعناية الحثيثة بمستجدات التغير المناخي، لتأخذ بيد المجتمعات، وتجعلها تسير ضمن مسارات أقدر على الاستهلاك بحدوده المعقولة، واستخدامه الموارد دون هدر وجور، فهو يشكل حلقة متصلةً تسير بالتوالي على الفرد، ثم الخطط المحلية، ثم الصورة الكلية في النظام العالمي، وصولا لمرونة متكاملة في الاستدامة المجتمعية لتحيد كل الأنظمة الطبيعية والبشرية المعرضة للتهديد، مما يعني أن النظام العالمي الجديد على موعد مع توليد تيارات ثقافية لصيقة بالمجتمعات يمكن الشعور بها على وجه الحقيقة، من خلال ارتفاع أسهم الإنجازات البشرية العالمية لصالح “أمنا الأرض” وغلافها الجوي.