بقلم: يونس السيد – صحيفة الخليج
الشرق اليوم- أشعل ترجل أنجيلا ميركل عن منصب المستشارية الألمانية، التي كان يعتبرها البعض القائدة الفعلية للاتحاد الأوروبي، أيضاً، سباقاً فعلياً على سد الفراغ الذي كانت تملأه في الفضاء الأوروبي، وسط شكوك كبيرة في قدرة أي من الطامحين على سد هذا الفراغ والتربع على عرش الزعامة في القارة العجوز.
الطامحون كثر، لكن أبرزهم ثلاثة، وهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراجي، وخليفة ميركل في منصب المستشارية الألمانية، أولاف شولتس، غير أنه قبل الحديث عن حظوظ هؤلاء، لا بد من الاعتراف بأن مهمة أي منهم، في حال تمكنه من تكريس نفسه زعيماً لأوروبا، لن تكون سهلة في ظل ضعف الاتحاد، وتداعيات “بريكست”، والتحديات الضخمة، داخلياً وخارجياً، والانقسامات العميقة التي يشهدها، كما أن غياب ميركل يسهم كثيراً في تكريس هذا الضعف، خصوصاً أنها ظلت على مدى 16 عاماً في السلطة تعتبر صانعة “التوافق” الأوروبي، والصوت الأكثر حضوراً في الساحة الدولية.
قد يكون إيمانويل ماكرون أكثر هؤلاء طموحاً إلى الزعامة الأوروبية، إذ لطالما عبّر عن رغبته في العمل من أجل “أوروبا قوية على المستوى العالمي وذات سيادة كاملة وحرة في خياراتها وسيدة مصيرها”، ولطالما شكّل ثنائياً مع ميركل في الدعوة إلى التخلص من التبعية للولايات المتحدة، وبناء جيش أوروبي موحد لحماية أوروبا والحفاظ على استقلاليتها. لكن الزعامة الأوروبية تحتاج إلى إثبات قدرته على مواجهة تلك التحديات، بخاصة في المجال الاقتصادي، ومواجهة جائحة “كورونا”، والقيام بإصلاحات على المستوى الأوروبي، بما في ذلك على مستوى المؤسسات والإدارة.
ومن اللافت أنه توصل إلى اتفاق مع رئيس الوزراء الإيطالي أطلقا بموجبه دعوة مشتركة إلى إصلاح قواعد الميزانية الأوروبية للسماح بمزيد من الإنفاق الاستثماري، وإن كان هذا الاتفاق يثير استياء دول الشمال الأوروبي الأكثر تشدداً في الشؤون المالية العامة. ومع ذلك، فإن طموح ماكرون إلى زعامة أوروبا قد يصطدم بالتحالفات الجديدة التي تتبلور داخل القارة، وانشغاله بانتخابات الرئاسة الفرنسية غير المضمونة لمصلحته، والتي ستحد من اهتمامه بتطوير رؤاه على المستوى الأوروبي.
أما ماريو دراجي الذي يلقب ب”سوبر ماريو” المفعم بالاقتصاد، والذي كان تولى رئاسة البنك المركزي الأوروبي، فينظر إليه من قبل المحللين على أنه قادر على ملء الفراغ الذي تركته ميركل، وإن كان يختلف مع نهجها من حيث قدرته على ضخ ديناميكية جديدة في التكامل الأوروبي في المجالات الاقتصادية والدفاعية، إلا أن رغبته في رئاسة الدولة الإيطالية خلال العام الجاري قد تحول دون تحقيق طموحه. ويبقى على أولاف شولتس، الذي يتولى رئاسة مجموعة السبع اعتباراً من بداية العام الجاري، أن يقدم نفسه على مستوى القيادة الأوروبية، وأن يثبت قدرته على مواجهة التحديات التي تواجه أوروبا، مثل جائحة “كورونا”، والتغيير المناخي، والمنافسة الجيوسياسية، وفق المحللين، والتي لم يختبر فيها بعد. وبالتالي، فإن ترجيحات الخبراء والمحللين هي أن أوروبا ستبقى من دون زعامة حقيقية في الوقت الراهن، وعلى المدى المنظور.