الرئيسية / مقالات رأي / فرنسا بين إفريقيا والاتحاد الأوروبي

فرنسا بين إفريقيا والاتحاد الأوروبي

بقلم: الحسين الزاوي – صحيفة “الخليج”

الشرق اليوم – تحاول فرنسا في هذه المرحلة أن تحافظ على ما تبقى من نفوذها الاقتصادي والسياسي، وعلى قوتها الناعمة، وستعمل خلال رئاستها للاتحاد الأوروبي من أجل وقف التراجع الواضح لقدرتها على المحافظة على مصالحها في محيطها الأوروبي، وفي الفضاء المتوسطي، شرقاً وغرباً، وفي إفريقيا التي باتت تمثل رهاناً كبيراً بالنسبة إلى القوى العظمى الساعية إلى تمتين نفوذها في القارة السمراء. وتأتي الرئاسة الفرنسية لمجلس الاتحاد الأوروبي في سياق ظروف داخلية فرنسية جد صعبة، نتيجة لانشغال النخب السياسية في باريس بالحملة الانتخابية للرئاسة الفرنسية التي ستُجرى خلال شهر إبريل/ نيسان المقبل، والتي باتت تشهد استقطابا حاداً بين حزب الرئيس ماكرون وأقطاب اليمين المتطرف.
ويمكن القول إن تراجع شعبية الرئيس ماكرون على المستوى الداخلي بسبب الأزمة الاقتصادية والتداعيات السلبية لجائحة كورونا على قسم كبير من المواطنين الفرنسيين، إضافة إلى انخراطه في حملة انتخابية شرسة، سيُضعف بشكل واضح من قدرته على تمرير أهم عناصر أجندة الرئاسة الفرنسية للاتحاد الأوروبي، إذ من المنتظر أن يبدي الحلفاء في «القارة العجوز»، تحفظات بشأن خطط فرنسا الهادفة إلى إدخال بعض الإصلاحات العميقة على مستوى سياسة الدفاع في أوروبا، وحرية تنقل الأفراد عبر فضاء شنجين؛ لأن هناك تخوفاً أوروبياً جدياً من إمكانية فوز اليمين المتطرف بالانتخابات الرئاسية، وتأثيرات ذلك في مستقبل الاتحاد الأوروبي، وبالتالي، فإنه، حتى في حال فوز ماكرون بولاية رئاسية جديدة في انتخابات إبريل المقبل، فلن يكون أمامه متسع من الوقت لتطبيق الإصلاحات الفرنسية على المستوى الأوروبي.
وفضلاً عن هذه الصعوبات المتصلة بتعقيدات المشهد الداخلي الفرنسي، فإن رئاسة باريس للاتحاد الأوروبي ستضطرها للتعامل بكثير من الحذر مع ملفات أوروبية بالغة الحساسية، وعلى رأسها التوترات الجارية بين روسيا وأوكرانيا، حيث تضغط دول أوروبا الشرقية المدعومة من واشنطن من أجل تشديد العقوبات على روسيا، وتعمل في السياق نفسه على إفشال مشروع «سيل الشمال 2»، لاسيما بعد مغادرة المستشارة أنجيلا ميركل، للسلطة في ألمانيا؛ فضلاً عن الصعوبات الناجمة عن إخفاق مؤسسات بروكسل في تنسيق سياسات أعضائها لمواجهة الأزمة الصحية العالمية، وما نتج عنها من تقلص كبير في النشاط الاقتصادي، إضافة إلى المشاكل البيئية وتراجع الديمقراطية في الدول الأوروبية التي تعرف انتشار المد الشعبوي.
وقد حاول الرئيس الفرنسي في الندوة الصحفية التي عقدها يوم 9 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أن يؤكد على بعض القضايا التي من المنتظر أن تسعى بلاده إلى التركيز عليها خلال رئاستها الدورية للاتحاد الأوروبي، حيث قال إنه يجب الانتقال من أوروبا قائمة على التعاون داخل الحدود الوطنية لأعضائها، إلى أوروبا قوية على المستوى العالمي، وذات سيادة كاملة، ودعا في السياق نفسه إلى انخراط الاتحاد في مشاكل البلقان لمواجهة التوترات المتصاعدة في المنطقة، وإلى إعادة رسم السياسة المالية لأوروبا لمواجهة التبعات السلبية للجائحة على الاقتصادات الأوروبية، وإلى تحويل أوروبا إلى قوة رقمية وتكنولوجية لمواجهة الهيمنة الأمريكية والصينية في هذا المجال.
وأكد الرئيس ماكرون بشكل خاص، في الندوة الصحفية، على أهمية تنظيم المؤتمر الذي من المنتظر أن يجمع ما بين الاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي يومي 17 و18 فبراير/ شباط المقبل، لتوطيد العلاقات بين القارتين والتصدي للنفوذ المتعاظم للصين وروسيا في القارة السمراء.
وكانت فرنسا نظمت، في السياق نفسه، في 8 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي في مدينة مونبوليي، مؤتمراً جمع الرئيس الفرنسي بالشباب والجمعيات الأهلية الإفريقية من دون حضور قادة الدول، من أجل محاولة تجاوز إخفاقات الدبلوماسية الفرنسية في إحداث القطيعة مع الإرث الاستعماري لفرنسا. وتسعى باريس من خلال كل هذه التحركات السياسية إلى وقف التراجع الواضح للنفوذ الفرنسي في مناطق عدة من العالم، لاسيما في إفريقيا وأوروبا، إذ إنه، وباستثناء علاقات فرنسا التقليدية بعدد قليل من دول جوارها، فإنها تكتفي – الآن – بلعب دور الوصيف لألمانيا في تعاملاتها مع الأغلبية الساحقة من الدول الأوروبية.

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …