بقلم: د. ذِكْرُ الرحمن – صحيفة “الاتحاد”
الشرق اليوم – دأبت الهند على تعزيز علاقتها بميانمار على مدى سنوات الحكم العسكري في هذه الأخيرة. وواصلت هذه العلاقات حتى بعد إطاحة انقلاب عسكري بالسيدة أونج سان سو كي واعتقالها مع مدنيين آخرين وإعلان حالة الطوارئ لمدة عام في فبراير 2021.
وسوّغ الجيش استيلاءه على السلطة بحجة أن الحكومة لم تنصت لمزاعمه بشأن تزوير انتخابات نوفمبر، ولأنها سمحت باستمرار الإدلاء بالأصوات رغم جائحة فيروس كورونا. وتمخض الانقلاب عن احتجاجات كثيرة عبر البلاد في غمرة انتقادات بأن البلاد تراجعت كثيراً إلى الوراء. وما زالت البلاد تواجه تحديات في أجواء جائحة كورونا.
وفي غمرة كل هذا، استمرت الهند في تواصلها مع الحكام العسكريين، رغم أن الغرب اتخذ موقفاً مطالباً بعودة الديمقراطية. ولا تستطيع الهند إلى حد كبير تبني الموقف ذاته، أي النظر إلى العلاقات مع ميانمار من منظور الديمقراطية. وللتأكيد على استمرار العلاقات القوية بين الهند وميانمار، زار هارش شرينجلا، وزير الخارجية الهندي، ميانمار زيارة قصيرةً استهدفت تعزيز التعاون.
واجتمع شرينجيلا بقائد الانقلاب الجنرال مين أونج هلينج، رئيس مجلس إدارة الدولة ورئيس الوزراء. وناقش الجانبان طائفةً واسعةً من القضايا تضمنت الأمن ومكافحة الإرهاب والتجارة والزراعة واللقاحات. وأثناء الاجتماعات أكد الوزير الهندي على «اهتمام الهند بعودة ميانمار إلى الديمقراطية في أقرب وقت وإطلاق سراح المحتجزين والسجناء وحسم القضايا من خلال الحوار والمضي قدماً في وقف كل أشكال العنف».
وأكد شرينجلا على «دعم الهند القوي والمتواصل لمبادرة آسيان (رابطة دول جنوب شرق آسيا) وعبر عن أمله في تحقيق تقدم بطريقة براجماتية وبنّاءة من خلال توافق الآراء حول خمس نقاط». صحيح أن الهند طرحت قضية الديمقراطية، لكن العلاقة بين البلدين لا تعتمد بحال من الأحوال على ما يحدث في ميانمار داخلياً. وهذا يرجع إلى طائفة من العوامل التي ترتبط مباشرةً بالأمن القومي الهندي. فالهند باعتبارها جارة لميانمار، لا يمكنها تبني الموقف ذاته الذي تبنّته الدول الغربية البعيدة جغرافياً عن ميانمار.
والهند تشارك 1643 كيلومتراً من الحدود مع ميانمار. وكانت داعماً عاليَّ الصوت ذات يوم للزعيمة أونج سان سو كي، لكنها غيرت موقفها في التسعينيات لتعزيز العلاقات مع المجلس العسكري الحاكم. ويرجع هذا في جانب منه إلى الرغبة في مواجهة النفوذ المتصاعد للصين في الجوار. ومنحت الهند على مدى سنواتٍ ميانمار موقعاً مهماً في سياسة دول الجوار.
وترى الهند في ميانمار عنصراً محورياً في أمنها للطاقة لحاجتها إلى مخزوناتها من النفط والغاز. وهذه الدولة مهمة أيضاً للهند لتأمين حدودها في الشمال الشرقي. وقدمت ميانمار المساعدة للهند لحماية حدودها في الشمال الشرقي، حيث ينفذ متمردون هجمات ويحتمون بمنطقة الحدود في ميانمار. وكل هذه العوامل تعني للهند أنه ليس بوسعها تبني رؤية أحادية الجانب لعلاقاتها مع ميانمار. وهذا على خلاف الولايات المتحدة التي هددت بفرض عقوبات لم تُجْد كثيراً بعد تطبيقها على ميانمار.
وقادة الجيش يحرصون أيضاً على دعم العلاقات مع الهند، كما أنهم حساسون للغاية لأي انتقادات. وأظهر العامان الماضيان أن حكام ميانمار العسكريين لم يستجيبوا للضغط الدولي وواصلوا السير في الطريق الذي سلكوه، وبالتالي فإن إقصاءهم لن يخدم المصالح الهندية أيضاً. وتعتقد الهند أنه بوسعها لعب دور داعم، لأن التطورات في ميانمار لن تحدث دون مشاركة الحكام العسكريين. وترى نيودلهي أن أي تحرك نحو الديمقراطية سيتزعمه أيضاً الجيش، ولذا فالطريق الواضح أمام الهند هو استمرار التواصل مع المجلس العسكري. والضغط على ميانمار يعني للهند دفع المجلس العسكري نحو التقارب مع الصين. ولذا ليس أمام نيودلهي إلا التواصل مع أعضاء قيادة المجلس العسكري في ميانمار. وكانت زيارة وزير الخارجية الهندي أول زيارة لمسؤول كبير من الحكومة الهندية بعد حدوث التطورات في ميانمار لفهم الوقائع على الأرض.
والهند ليست وحدها في تبنِّي خيار التواصل مع ميانمار، فقد تحركت دول أخرى أيضاً مثل اليابان وكوريا الجنوبية ومعظم أعضاء منظمة «آسيان».. نحو التواصل مع الحكام العسكريين في ميانمار. وواصلت الولايات المتحدة توجيه تهديداتها المُتكررة بفرض المزيد من العقوبات، لكن دون أن يجدي هذا إلا القليل من النفع. وجيش ميانمار لم يعد فيما يبدو يزعجه خطاب الغرب. والأمر يرجع إلى دول الجوار في تشكيل سلوك الحكام العسكريين بطريقة بنّاءة. ولذا فمن الواضح أن الواقعية الصريحة هي التي كانت وما زالت تحكم علاقات الهند بميانمار. وبمواصلة الحوار مع الحكام العسكريين، تتمكن الهند من تقديم بعض المساعدة في دفع ميانمار نحو مسار إيجابي.