بقلم: علي قاسم – العرب اللندنية
الشرق اليوم- عام 2021 لم يكن أفضل الأعوام بالنسبة إلى أحزاب الإسلام السياسي. فماذا يحمل عام 2022 لهذه الأحزاب من مفاجآت؟
المؤشرات والدلائل تبشر بأفولها. وسيشهد العام القادم مزيدا من التراجع في شعبيتها، ليكون بداية النهاية لعهد تلك الأحزاب. الموضوع لا يحتاج إلى الرجم بالغيب. جرد سريع للأحداث يكفي لتأكيد أن الرياح لن تجري وفق ما يشتهيه الإخوان المسلمون.
في السنوات الثماني الأولى من حكمه (2003 – 2011) حقق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان شعبية بنيت على نجاحات اقتصادية كان الفضل فيها يعود إلى سياسة صفر مشاكل، مستفيدا من تشجيع الإعلام الغربي لحزب العدالة والتنمية، بوصفه حزبا إسلاميا تسلم السلطة بوسائل ديمقراطية.
لم تنحصر شعبية أردوغان على الداخل التركي، بل شملت جميع المسلمين في العالم. بعد أن أعادت إلى أذهانهم ذكريات خلافة عثمانية سادت العالم ثم خبا نجمها.
في هذه الأجواء بدأت أحداث الربيع العربي التي سارع أردوغان إلى توظيفها لتحقيق طموحاته الإمبراطورية، خاصة بعد أن خطفت أحزاب الإسلام السياسي السلطة في تونس ومصر والمغرب، وجزئياً في اليمن وليبيا، لتصبح سوريا هدف أردوغان الرئيسي.
اللقمة كانت أكبر من أن يبتلعها أردوغان وحاشيته من الأقارب، خاصة أن ما سمي بالربيع العربي أتى بعد سنتين من أزمة اقتصادية حادة شهدتها دول العالم، وكان من ضحاياها دول على مرمى حجر من تركيا مثل اليونان وإيطاليا.
لم يستطع أردوغان المأخوذ بنجاحاته السياسية الانتباه إلى بوادر انتكاسة اقتصادية تلوح في الأفق.
وبدلا من إعادة النظر في سياسته التي ستأخذ تركيا إلى الانهيار قام بتغيير النظام السياسي البرلماني إلى نظام رئاسي سمح له بالسيطرة على جميع مؤسسات الدولة. ونصب نفسه رئيساً لمجلس إدارة الصندوق السيادي، وعيّن صهره بيرات البيرق وزيراً للمالية والخزانة ونائباً له في مجلس إدارة الصندوق، ليشكل ذلك بداية الانهيار الاقتصادي لتركيا.
سرعان ما تبخرت النجاحات الباهرة التي حققتها تركيا خلال السنوات الأولى من حكم العدالة والتنمية وتغنى بها أردوغان ومؤيدوه، ومعها تبخرت أحلامه بإحياء إمبراطورية جديدة. وبعد أن كانت التجربة التركية مثالا يحتذى، أصبحت نموذجا للفشل.
قدر الإمبراطوريات أن تتوسع، وقدرها دائما أن يكون التوسع سببا في انهيارها وتفككها. هذا ليس ما حدث مع إمبراطورية أردوغان الوهمية التي لم تتحقق إلا في أعمال دراما تلفزيونية غزت البلدان المرشحة لتكون جزءا من الحلم الأردوغاني. ورغم ذلك كانت الكلفة على “الباب العالي” أكبر من أن تحتمل.
ما حدث بعد ذلك معروف، وتبعاته على الدول المرشحة إلى عضوية الإمبراطورية الافتراضية معروف أيضا.
الحركات والتنظيمات المرتبطة بفكر الإخوان المسلمين فقدت الشعبية التي كسبتها عام 2011 في المنطقة المغاربية، بعد أن حازت على أعلى نسبة تأييد على امتداد نصف قرن، وحصدت انتصارات انتخابية أتاحت لها لعب أدوار رئيسة في الائتلافات السياسية في تونس والجزائر والمغرب وليبيا.
في تونس يحمّل التونسيون اليوم حركة النهضة المسؤولية عن عشر سنوات من الانهيار الاقتصادي والأمني، وهي تواجه ضغوطا بلغت أوجها باستقالة أكثر من 100 من قياداتها احتجاجا على انفراد رئيسها راشد الغنوشي بالقرار. ولم تكترث الدول التي هللت للغنوشي بالهزيمة التي لحقت به وبحزبه.
وفي المغرب تعرض حزب العدالة والتنمية (حزب الإخوان في المغرب) لهزيمة في الانتخابات التشريعية التي جرت يوم الثامن من سبتمبر الماضي أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها مدوية، حيث خسر 112 مقعدا في مجلس النواب، ولم يبق له سوى 13 مقعدا من 125 كان يحتلها، ليحل بذلك في المرتبة الأخيرة.
وتكبد الإسلاميون هزيمة قاسية بعد 10 أعوام قضوها في رئاسة الحكومة لصالح حزب التجمع الوطني للأحرار.
وتسبب هذا السقوط في خروج أعضاء الأمانة العامة للحزب الإسلامي بقيادة سعدالدين العثماني رئيس الحكومة السابق من المشهد، حيث قدموا استقالة جماعية.
ويحاول الأمين العام للحزب عبدالإله بنكيران إصلاحه لمنع حدوث انفجار قريب قد يؤدي إلى انقسامه.
في ليبيا تلقى تنظيم الإخوان العديد من الضربات التي حاول الالتفاف عليها بانشقاقات وهمية. فما إن قرر الليبيون خوض غمار الحوار السياسي والاقتصادي والأمني بضغوط دولية، حتى سارع التنظيم إلى تغيير جلده.
واضطر عناصر التنظيم في نوع من المراوغة إلى إنشاء حزب مواز يضم قيادات التنظيم المستقيلة وهو الحزب الديمقراطي الليبي.
وهزم الإخوان في الجزائر (جبهة العدالة والتنمية) في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، حيث تلقوا أكبر صفعة بعدما شحنوا كل قوتهم الدعائية وبعدما استعرضوا كالعادة مُسلمة فوزهم وبعدما غازلوا المواطن بشهداء ثورة التحرير والقضية الفلسطينية، ووصل بهم الأمر إلى استغلال شعبية نجوم المنتخب الجزائري لكرة القدم في حملاتهم الدعائية.
نتائج الانتخابات مؤشر واضح على انصراف الجزائريين عن التيار الإسلامي كقوّة يعوّل عليها لحلّ أزماتهم، ممّا يعني عدم مشاركتهم في الحكم مستقبلاً، وربما مغادرتهم نهائيا للساحة السياسية.
في سوريا ولبنان والعراق، وإلى حد ما في اليمن، تميل المعطيات حتى هذه الساعة لصالح غريم تركيا العقائدي إيران. وأصبح دور أنقرة في الشمال السوري محصورا في مهمة حارس حدود مع الأكراد.
وفي أفغانستان اختزل طموح أردوغان مكتفيا بلعب دور الوسيط بين طالبان والولايات المتحدة تقربا من الرئيس الأميركي جو بايدن.
إن كان أردوغان قد فشل في تحقيق تقدم لإحياء إمبراطورية إسلامية، إلا أنه ناجح على ما يبدو في الخروج من الحفرة التي وقع فيها. فهو على الأقل توقف عن الحفر عملا بنصيحة الإنجليز.
تجلى ذلك في سياسة التقارب مع مصر والسعودية والإمارات، وكان الانطباع عند معظم المتابعين أن سبب سياسة أردوغان الجديدة هو وصول إدارة أميركية جديدة إلى البيت الأبيض لها تحفظات على ملف حقوق الإنسان داخل تركيا وعلى سياسة أردوغان الإقليمية.
عام 2021 شهد تطورا سريعا في التضييق على تنظيم الإخوان في تركيا بهدف عودة العلاقات مع القاهرة.
تقبّل الإخوان، الذين اعتادوا طاعة أولي الأمر، توجيهات الباب العالي الجديدة والتعليمات التي صدرت عنه فأوقفوا هجومهم على الحكومة المصرية، وراحوا يبحثون عن مبررات للموقف التركي الجديد، باعتبار أن الضرورات تبيح المحظورات، وأن الحفاظ على استقرار حكم حزب العدالة والتنمية في تركيا الآن أولوية قصوى عند الإسلاميين. وباعتبار أن هذه السياسة مجرد تكتيك مؤقت فرضته ظروف محددة في انتظار فرصة جديدة للانقضاض على الحكم.
يوسف ندا، المفوض السابق للعلاقات الدولية لتنظيم الإخوان، وجه رسالة إلى أردوغان تؤكد أن التنظيم يدعم أي محاولة للتقارب بين تركيا ومصر، لكنه دعا أردوغان إلى عدم تسليم المطلوبين والفارين من مصر.
قطر، التي اختارت مؤخرا عدم الوضوح في موقفها، تضع قدما مع جيرانها وأخرى مع الإسلام السياسي، لن تستطيع أن تصمد طويلا في دعم مشروع اتفق العالم على أنه فاشل، وهناك استعدادات تجري لمراسم دفنه تنتظر إشارة من واشنطن.
مؤكد أن التنظيم الدولي للإخوان المسلمين يعاني من تفكك نتيجة الأزمات الكبيرة التي واجهت مركزه في تركيا وفي الدول الأوروبية والعربية. وترجح التوقعات انهيار المنظومة بشكلها الراهن، بسبب الخلاف المتصاعد بين جبهة إبراهيم منير المقيم في لندن، ومحمود حسين المقيم في إسطنبول، ويقال إنه يسعى لتبني قرار لحل التنظيم وتعويضه بآخر جديد مع تجميد مرشد الجماعة إبراهيم منير.
والسؤال، هل الوهن الذي تعاني منه أحزاب الإسلام السياسي بداية النهاية، أم مجرد مناورة من قوى أجادت دائما ممارسة التقية والعمل في الخفاء، لتعود بعد ذلك وتتسلل إلى الحكم عبر صناديق الاقتراع مسربلة بمسوح الديمقراطية؟
قراءة التغيرات السريعة الحاصلة في العالم، سواء على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي، تؤكد أنّ ما يحدث ليس مجرد مناورة. طريق الإسلام السياسي مسدود. ليس بناء على ما تقوله النجوم، بل بناء على قراءة الواقع.
هناك زلزال اقتصادي واجتماعي يحدث عبر العالم تسببت فيه جائحة كورونا ومواقع التواصل الاجتماعي وثورة الذكاء الاصطناعي، لن يستطيع أسرى الفكر الماضوي التأقلم معه.
إذا كانت أحزاب الإسلام السياسي استفادت في البدء من التطورات التكنولوجية لترويج بضاعتها وكسب شريحة من الشباب الباحث عن حل لمشاكله، فإن التكنولوجيا نفسها تكشف اليوم جهلها وتعري ضعفها.
ما تحتاجه تلك الأحزاب هو التوقف عن التطلع إلى المستقبل بمنظور الماضي؛ أي أن تكف عن أن تكون أحزاب إسلام سياسي.
عام 2022 لن يكون عاما سعيدا لأحزاب تنقب في الماضي عن حلول للمستقبل. وسنرى أعدادا كبيرة ممن كانوا مترددين في تحديد موقفهم من التغيرات الحاصلة يسارعون إلى القفز من السفينة.