بقلم: محمد السعيد إدريس – صحيفة الخليج
الشرق اليوم– تأجلت الانتخابات الرئاسية الليبية دون أن تجد من يحدد الجهة، أو الجهات، أو الشخص أو الأشخاص، الذين عليهم أن يتحملوا مسؤولية تأجيلها، أو بالأحرى إفشالها، على الرغم من علم الكثيرين بأن هذا الإفشال كان مصلحة لأطراف متعددة، مصلحة تفوق في أهميتها المصالح والمكاسب التي كانت سوف تتحقق إذا ما تم إجراء الانتخابات بنجاح وأصبح لليبيا رئيس. المفوضية العليا للانتخابات المسؤول الأول بالمشاركة مع القضاء الليبي عن إجراء الانتخابات كان ردها بعد مطالبتها بتحمل مسؤولياتها الاقتراح بأن تؤجل الانتخابات إلى يوم 24 يناير المقبل على أن يتولى مجلس النواب العمل على اتخاذ الإجراءات الكفيلة بإزالة ما أسمته بحالة “القوة القاهرة” التي تواجه استكمال العملية الانتخابية.
المفوضية اكتفت بالقول إن التداخل القائم بين المعطيات السياسية والأحكام القضائية الصادرة بشأن الطعون الانتخابية، دفع بقرار الإعلان عن القائمة النهائية للمرشحين إلى ما يعرف بحالة “القوة القاهرة” التي أفضت إلى عدم تمكنها من الكشف عن تلك القائمة النهائية للمرشحين.
وفي مواجهة هذا الغموض في كلام المفوضية العليا للانتخابات الذي من شأنه أن يفرض علامات استفهام قوية على ما سوف يحدث من الآن وحتى الموعد الجديد لإجراء الانتخابات إذا ما تم اعتماده من مجلس النواب، وعلى ما سوف يحدث بعد يوم 24 يناير المقبل، سواء أجريت الانتخابات فيه أم تأجلت مرة أخرى إما لموعد جديد أو لأجل غير مسمى، كان عبد الحميد الدبيبة رئيس الحكومة أكثر جرأة ووضوحاً وتحدياً عندما بادر بتحديد ثلاثة شروط أو على حد قوله “ثلاث مراحل” لنجاح إجراء العملية الانتخابية. ففي ندوة عقدت يوم الثلاثاء (21/12/2021) بطرابلس عن “دور المرأة في العملية السياسية” أكد الدبيبة، أن الانتخابات “لا بد أن تقوم على ثلاث مراحل، وغياب إحداها سبب فشل” وهي على النحو التالي: المرحلة الأولى تتطلب “دستوراً أو قاعدة دستورية”، والمرحلة الثانية “قوانين وتوافقية تضمن عملية انتخابية نزيهة”، والمرحلة الثالثة “ضمان قبول النتائج”.
كلام مهم، لكن مشكلته أنه كشروط غير موجودة أي منها الآن، وهذا ما لم تتجرأ المفوضية العليا للانتخابات على قوله، لكن الأهم أنه من الآن وحتى يوم 24 يناير ليس في مقدور أحد أن يتحدث عن أي فرصة لتوافر هذه الشروط أو حتى أحدها، وإذا لم يأخذ مجلس النواب هذه الشروط في اعتباره سيكون شريكاً حتماً في إفشال إجراء الانتخابات في الموعد الافتراضي المقترح يوم 24 يناير؛ بل إن اعتماد هذا التاريخ كموعد لإجراء الانتخابات، سيكون قراراً بالفشل المسبق والدفع بالبلاد مجدداً نحو “خيار الفوضى والعنف المسلح”.
هذا يعنى أن مجلس النواب الذي شكل لجنة من عشرة نواب لصياغة ما أسماه “خريطة طريق” للمرحلة المقبلة، إذا لم يأخذ في اعتباره خطورة المبادرة بتحديد موعد لإجراء الانتخابات دون تحقيق الشروط المطلوبة لإنجاحها سيكون المسؤول الأول عن الفشل على الرغم من أن هناك أطرافاً كثيرة تخطط للفشل عندما تضع المستحيل شرطاً لإتمام الانتخابات الرئاسية التي ربما يؤدى تأجيلها إلى تأجيل الانتخابات البرلمانية المقترح إجراؤها في فبراير القادم.
المستحيل الذي نعنيه هو “غياب التوافق الوطني” وغياب “المشروع الوطني” و”كثافة عبث القوى الخارجية بالشأن الداخلي الليبي”، والتجاهل المتعمد لشرط خروج المرتزقة الأجانب من ليبيا كأمر بديهي لتحقيق الاستقرار المأمول الذي يبدو أنه مازال بعيد المنال، خصوصاً إذا أمعنا التأمل في الشروط التي يطالب بها عبد الحميد الدبيبة.
فإذا كان الشرط الأول وهو الدستور يمكن تحقيقه نظراً لوجود وثيقة دستورية ما زالت حبيسة الأدراج لم يستفت الشعب عليها بعد، وهذه يمكن مراجعتها وطرحها للاستفتاء الشعبي شرط أن تدون فيها مواد تخص اختصاصات رئيس الدولة، والعلاقة بين السلطات الثلاث، لكن الشرطين الثاني والثالث مستحيلان على الأقل في المدى القريب، وبالذات مسألة “القوانين التوافقية” ومسألة “قبول النتائج”. فعندما يطرح الدبيبة هذين الشرطين، فإنه يقول بصراحة “لا للانتخابات”. لأن القوانين، وكما تقول الأعراف القانونية والتراث القانوني والأدبيات القانونية “لابد أن تكون عامة ومجردة” لا تخضع للأهواء ولا يجرى تفصيلها لإرضاء أشخاص أو مصالح أشخاص. والتوافق الذي يتحدث عنه الدبيبة غير موجود الآن، وهذا معناه استبعاد التوافق على مثل تلك القوانين التي هي بالفعل شرط أساسي لإجراء الانتخابات، فغياب القواعد القانونية المنظمة لإجراء الانتخابات كانت من أهم أسباب فشل إجراء الانتخابات في موعدها. يبقى الشرط الأصعب الخاص بقبول النتائج، فليس هناك في ظل ما هو قائم الآن من تناحر وصراع على السلطة من في مقدوره أن يضمن قبول نتائج الانتخابات.
إذا أضفنا إلى ذلك الصراع الذي سوف يفرض نفسه حول استمرار حكومة الدبيبة، أو اختيار حكومة جديدة والانقسام الداخلي الليبي على ذلك، فالبرلمان مع تشكيل حكومة جديدة، وغرب ليبيا مع استمرار حكومة الدبيبة، والدول الغربية خاصة الولايات المتحدة وبريطانيا ومعهما فرنسا وألمانيا وإيطاليا مع استمرار حكومة الدبيبة، ما يعنى أن مشكلة أخرى في طريقها لتفاقم الكثير من التحديات الهائلة التي تواجه مسيرة التحول الليبي من الفوضى إلى الاستقرار.