بقلم: حسن مدن – صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – نظنّها أنجيلا ميركل نفسها هي من قالت إن ألمانيا سرعان ما ستعتاد على أنها لم تعد مستشارة، وإن زعامتها أصبحت مجرد ماضٍ. وفي قولها هذا تواضع غير خافٍ، لكنه حقيقة أيضاً. الناس تتذكر الماضي إن من باب الحنين إليه، أو للمقارنة بينه وبين الحاضر، حين يصبح الحاضر أسوأ، وقد يحدث العكس أيضاً: يتذكر الناس الماضي بغضب، حين يصبح حاضرهم أفضل، لكن الماضي لا يعود.
مبكرٌ القول إن «ما بعد ميركل» سيكون أفضل أو أسوأ. لقد سبق أن عرضنا هنا للآراء التي ترى في خليفتها شولتس مجرد نسخة متحورة منها، وأنه كان بمثابة ظل لها، ولن يكون يسيراً عليه الخروج من تحت عباءتها.
لكن «ما بعد ميركل» ليس مسألة ألمانية صرفة فحسب، بل إنه، وبدرجة لا تقل، مسألة أوروبية، وحين يتصل الأمر بالسياسة الأوروبية، فإن الحديث يدور عن مجمل خريطة العلاقات الدولية: العلاقات الأوروبية – الأمريكية ومستقبل حلف «الناتو»، العلاقات مع روسيا، العلاقات مع الصين، وسواها من ملفات كبرى أحسنت ميركل إدارتها، ما يزيد من وجاهة السؤال عن كيف ستدار هذه الملفات بعدها، وكيف ستكون عليه صورة العلاقات الدولية في السنوات القليلة القادمة.
لكن ميركل لم تمكث في المستشارية مجرد سنوات قليلة، أربع أو ثمان، إنما ستة عشر عاماً استطاعت خلالها أن تطبع السياسة الأوروبية بطابع يمكن وصفه، بدرجة كبيرة من الثقة، بالطابع «الميركلي»، من مرتكزاته الحفاظ على الوحدة الأوروبية، والحرص على عدم تصدعها من أي خاصرة من خواصرها، وإقامة علاقات متوازنة مع كل من روسيا والصين، متفادية الوصول إلى القطيعة أو المواجهة العنيفة، رغم الضغوط الكبيرة التي تمارسها واشنطن على برلين وعلى الأوروبيين عامة.
تجد أوروبا نفسها، في مرحلة ما بعد ميركل، أمام السؤال الصعب: من سيكون زعيم أوروبا المقبل؟ وعن هذا يتفرع سؤال لا يقل أهميّة: هل يوجد، بين زعماء الدول الأوربية الكبرى، من يتمتع بالكاريزما والمهارات الإدارية وسواها من الصفات القيادية التي لدى ميركل؟ حسب موقع «دي. دبليو» الألماني فإن ثلاثة زعماء أوروبيين مرشحون لمثل هذا الدور هم: خليفة ميركل، أولاف شولتس، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء الإيطالي ماريو دراجي، ويدور حديث عن فرصة أكبر للرئيس الفرنسي كونه اكتسب خلال فترة رئاسته خبرة لا تتوفر للرجلين الآخرين، إضافة إلى تطلعه للصعود بالدور الفرنسي إلى مكانة الزعامة الأوروبية.
دون هذا الطموح عقبات ليست قليلة، لعلّ أهمها الاستحقاق الرئاسي القادم في فرنسا، فهل سيكون بوسع ماكرون كسب السباق وضمان بقائه في «الإليزيه» فترة أخرى، أم سيتعين عليه مغادرته وبالتالي تبدد طموحاته؟