بقلم: د.وحيد عبدالمجيد – صحيفة الاتحاد
الشرق اليوم- عندما نصل إلى مُفترق طرق في أي مجال، يتطلب الأمر أكبرَ قدر ممكن من وضوح الرؤية لتحديد المسار الذي يُفضل أن نمضي فيه. ولكن حين يكونُ مصيرُ دولة وشعبها متوقفاً على اختيار طريق مُحددة عند المُفترق، يُصبح الأمر أكثر أهمية. وهذا هو حال ليبيا بعد تأجيل الانتخابات، التي كان مُفترضًا أن تُجرى مرحلتها الأولى يوم الجمعة الماضي. ويُثير هذا التأجيل أسئلةً في مقدمتها: هل تستمر حكومة “الوحدة الوطنية” لأداء هذه المهمة، أم يتعين استبدالها بحكومة أخرى لتكون أكثر قدرةً على إجراء الانتخابات المؤجلة؟
وبعيداً عن الصراعات المُحتدمة في البلاد، يُمكن الاقتراب من إجابة هذا السؤال عبر العودة إلى الوثيقة المؤسِّسة للمرحلة الانتقالية الراهنة، والصادرة في 31 يناير 2021. فقد وُضعت هذه الوثيقة لتكون بمثابة إطار قانوني مُنظِّم لإدارة مرحلة الانتقال، ومُحدِّد لأدوار مؤسسات الدولة الليبية خلالها.
ويتعين، هنا، الانتباه إلى خطأ الخلط بين فترة ولاية هذه الحكومة، والمدى الزمني للمرحلة الانتقالية. فهما مسألتان مختلفتان، وبالتالي لا يُشترط استمرار ولاية الحكومة طول فترة الانتقال المُحددة بـ18 شهراً كحد أقصى، ما دامت تلك الولاية مرتبطة قبل كل شيء بإجراء الانتخابات في الموعد الذي كان مُحَدَّداً وهو 24 ديسمبر. لكن لماذا يُمكن أن تستمر المرحلة الانتقالية لمدة 18 شهراً في هذه الحالة؟ لسبب بسيط هو التحوط لاحتمال عدم إجراء الانتخابات في موعدها، كما حدث بالفعل، أو احتمال استغراق المشاورات اللازمة لتشكيل الحكومة عقب إجرائها وقتاً أكثر من المُعتاد. وهذان أمران مُختلفان من حيث أن أولهما يتطلب خريطةً زمنيةً جديدةً لإجراء الانتخابات، فيما لا يحتاج الثاني سوى إلى انتظار تشكيل حكومة جديدة. وفي حالة إجراء الانتخابات، يُمكن للرئيس المُنتخب أن يطلب من الحكومة التي أجرتها الاستمرارَ لتسيير الأعمال، أو يُكلف حكومةً أخرى مؤقتةً حتى تشكيل الحكومة الجديدة. أما في حالة عدم إجراء الانتخابات في موعدها، فتؤول سلطة البت في استمرار الحكومة من عدمه إلى مؤسسات الدولة وفي مقدمتها مجلس النواب، بالتشاور مع البعثة الأممية.
والفرق، هنا، أن خياري التمديد للحكومة واستبدالها متساويان في حالة إنجاز الانتخابات في موعدها. أما في حالة تأجيل الانتخابات، فيجوز ترجيح خيار تشكيل حكومة جديدة لتذليل العقبات التي أدت إلى هذا التأجيل. فقد وضعت وثيقة المرحلة الانتقالية الحالية مهمةَ إجراء الانتخابات في موقع الصدارة بين مهام الحكومة، إذ نصّت في المادة الثالثة من باب “السلطة التنفيذية المُوحدة” على أربعة اختصاصات للحكومة أولها والأساس فيها هو “تنفيذ كل الإجراءات المطلوبة لإنجاح خريطة الطريق الهادفة للوصول للانتخابات في موعدها المُقرر”.
وبناءً على ذلك التمييز، فإذا كان استمرار الحكومة ممكناً في حالة إجراء الانتخابات حتى تشكيل الحكومة الجديدة، فلأنها نجحت في مهمتها الرئيسية. أما وأن كثيرين يرون أنها أخفقت في هذه المهمة، فيصبح جائزاً تشكيل حكومة أخرى لضمان عدم تكرار هذا الإخفاق.