بقلم: د. محمد البشاري – صحيفة “الاتحاد”
الشرق اليوم – تعرف السوق السوداء (black market) بأنها تلك المساحات الواقعية (وقد تكون الافتراضية كذلك) التي تقام عليها أسواق بسلع غير قانونية، لا تشملها دائرة الاقتصاد المعلن، إذ تلعب خارج المضمار وتفوز بالغش.
تغطي شباك صيادي المستهلكين كافة أنحاء العالم، إذ لا يكاد يخلو حقل اقتصادي أو مورد تصنيع من مخاطر التزوير والتقليد للبضائع، إذ يشير التقرير العالمي لتزييف العلامات التجارية (2018-2020)، إلى أن إجمالي قيمة السلع المقلدة أو المنسوخة (Copy) عن العلامات التجارية الأصلية، على مستوى العالم، تجاوز تريليون دولار في عام 2017.
ومع أن السوق السوداء أو ما يسمى «الاقتصاد التحتي» المرتبط بالأزمة الصحية العالمية «كوفيد-19» قد يبدو في حكم المنتهي مع ظروف وتداعيات الجائحة، إلا أن العديد من جماعات الإجرام وجدت في الجائحة آفاقاً جديدة وبخاصة في ظل نقص المعدات الطبية، والنقص الحاد للقاحات في بعض الدول، الأمر الذي أثّر على جدوى الجهود الحكومية للحد من انتشار الجائحة ومحاولة السيطرة عليها، إذ تقدر قيمة سوق الأدوية المزيفة بما يزيد على 200 مليار دولار، وفقاً للمجلة الطبية المتخصصة «ذا لانسيت» (The Lancet).
واستغلت الجهات التي تقتات على التقليد والتزييف حالة الحاجة التي يعيشها العالم، لتضخ بغزارة في أسواقها السوداء -وبخاصة السوق الرقمية- المزيدَ من المعدات والمستلزمات الطبية واختبارات «كوفيد-19» المزيفة، لتضرب عصب خطط مواجهة الجائحة، وتهشم ملامح المساواة الصحية.. فهل يعقل قبول تمرير ذلك من من طرف نحو 3000 موقع إلكتروني ذي أنشطة تسويقية وتجارية مشبوهة متعلقة بمستلزمات «كوفيد-19»، من لقاحات مزيفة واختبارات مقلّدة.
ما تقوم به السوق السوداء من تجاوزات لا أخلاقية في بيع وشراء المستلزمات الطبية المزيفة، يضاف إلى قائمة التحديات الأكثر صعوبةً في وجه دول العالم، سيما في ظل تمدد الأطراف الداعمة لهذا السوق، ووجود بعض الملامح المجتمعية التي تساندها، مثل تزوير الشهادات الطبية، واستبدال بعض الشركات الموزعة السلعَ الأصليةَ بأخرى مقلدة رخيصة الثمن.
وبالتمعن في بعض الإحصائيات حول ما بيع على موقع «علي بابا» الشهير من البضائع المقلدة، وما بيع عبر موقع أمازون، نجد أن ظروف الجائحة العالمية ضاعفت من اهتمامات البحث العلمي، والذي يقف بالتوازي مع الإجراءات العملية الحكومية، لا سيما أن آثار الأزمة الصحية العالمية متشعبة ومتداخلة، وتداعياته تؤثر في مجالات كثيرة، بما فيها الاقتصاد والسياسة والسفر والعلاقات الدولية.. وفي أهداف كبريات المؤسسات والمنظمات، وعلى رأسها منظمة الصحة العالمية التي تضع نصب عينيها تحقيق الارتفاع بمتوسط عمر الإنسان، والاقتراب أكثر نحو حياة صحية، وحماية الأضعف «صحياً» من المخاطر.
إن الخطوة الحكومية القادمة في هذا السياق، تستلزم تدعيم ترساناتها الدافعة بصون الأمن المتعلق بالمعدات الطبية، والعقاقير، وتنظيم المعاملات التجارية، والإشراف على الأسواق.. للحد من تكاثر الأنشطة المفتقرة للأخلاقيات، والتي تساق كيفما حركتها خيوط المصلحة الفردية على حساب مجتمعات تتكبد الخسائر في سبيل تخطي «منطقة الخطر» التي ما تنفك بين مد وجزر.