الشرق اليوم- ونحن على مشارف عام جديد، نقف وقفة متأمل لتوجهات الأداء الاقتصاد العالمي للعام المنصرم كي نستخلص منه المغزى والفائدة، فأما المغزى من ذلك فهو معرفة جدوى السياسات وفاعليتها التي طُبقت عالمياً لتسريع التعافي من تبعات الأزمة الاقتصادية التي خلقتها جائحة «كوفيد-19». وأما الفائدة المنتظرة منه، فهي دعم قدرات الاستشراف لآفاق الاقتصاد العالمي وتطويرها للعام القادم وتحديد التحديات المحتملة.
لقد بدا زخم التعافي العالمي خلال العام الثاني للجائحة 2021 في ثلاثة صعد. أولها على صعيد دعم الطلب العالمي. فانتعاش هذا الطلب كان بمنزلة رد فعل للانكماش الذي حدث بفعل إجراءات الإغلاق العالمي خلال العام الأول للجائحة 2020، وكان استجابة لدعم الحكومات للدخل الفردي والأسري الموجه للاستهلاك. وثانيها على صعيد دعم القدرات الإنتاجية العالمية وتوسيعها ومحاولات القضاء على ما تعطل منها بفعل ذلك الإغلاق، خصوصاً في الاقتصادين الأميركي والصيني اللذين يولدان أكثر من ربع النمو العالمي.
فعودة عجلات الإنتاج للدوران نتيجة منطقية لانتعاش الطلب السلعي العالمي. أما الصعيد الثالث للتعافي العالمي- وإن كان أقلها من حيث درجة التعافي- فكان ما شهدته شرايين التجارة العالمية في أنشطة النقل واللوجستيات من عودة تدريجية للنشاط. وليس أدل على نجاح هذا الزخم من وصول معدل النمو الاقتصادي العالمي لعام 2021 إلى مستوى 5.9% وفق توقعات صندوق النقد الدولي في أكتوبر الماضي.
ومن نافلة القول إن الزخم الذي شهده هذا العام سرعان ما أضعفته تحديات جديدة تواجه الاقتصاد العالمي حالياً ويتوقع لها الاستمرار في عامه المقبل 2022. ومن هذه التحديات ما يرتبط مباشرة بجائحة «كوفيد-19» ومنها ما يحدث بسببها أو يتواكب معها. فظهور متحور «أوميكرون» ترك، ولا يزال يترك، آثاراً سلبية على برامج التعافي الاقتصادي العالمي.
كما أن الضغط الشديد على سلاسل التوريد العالمية تسبب في حدوث اختناقات وانقطاعات عديدة في انتظام التجارة عبر جغرافيا العالم. وزد على ذلك ما ولّده انتعاش الطلب العالمي من ضغوط تضخمية تتراوح حدتها ما بين المتوسطة والشديدة. فارتفاع أسعار الغذاء العالمي عمّق من الفجوات المالية والتجارية في الاقتصادات النامية وزاد من أعباء مديونيتها الخارجية، كما أن ارتفاع أسعار الطاقة العالمية فاقم من معدلات التضخم في الاقتصادات المتقدمة وقلل من فاعلية سياساتها النقدية.
وقد فرضت هذه المحددات إلى جانب ما نصت عليه الاتفاقيات البيئية العالمية – من حيث خفض الاعتماد على الطاقة الأحفورية – المزيد من الأعباء على أنشطة التجارة العالمية في مستقبلها المنظور. وإذا كان التضخم الزاحف هو المحصلة السلبية الأكثر وضوحاً لسياسات التعافي من تبعات «كوفيد-19» في نهاية العام الحالي، فإن محاولات استشراف آفاق الاقتصاد العالمي في عامه المقبل محفوفة بمخاطر ضعف اليقين.
وإزاء هذه الحالة الضبابية، ورغم تخفيض صندوق النقد الدولي لتوقعاته بشأن نمو الاقتصاد العالمي في عام 2022 لتصبح 4.9%، يظل المعيار السليم للتعافي العالمي هو النمو المستدام اقتصادياً والمتوازن لاقتصادات العالم كافة، متقدمها وناميها.
نقلاً عن الاتحاد الإماراتية