الرئيسية / مقالات رأي / عن الحزبية وما فعله جو مانشن!

عن الحزبية وما فعله جو مانشن!

بقلم: عقيل عباس – سكاي نيوز

الشرق اليوم- “سيضر مشروع القانون هذا بمصالح كل شخص في ولاية ويست فرجينيا. سيجعل من الصعب عليهم الذهاب إلى أعمالهم، وستزداد أسعار الوقود والمواد الغذائية التي يشترونها والخدمات التي يدفعون أثمانها. وما دمت لا أستطيع أن أذهب إليهم لأشرح مشروع القانون هذا فلن أستطيع التصويت عليه بنعم. لا أستطيع دعم مشروع هذا القانون. لقد حاولتُ كل شيء يقع ضمن قدرتي كإنسان لدعمه، لكني لا أستطيع”.

كانت هذه، قبل أيام، كلمات السيناتور عن الحزب الديمقراطي الأميركي، جو مانشن، ممثل ولاية ويست فرجينيا، لتبرير رفضه التصويت لصالح مشروع القانون الأهم والأكبر لإدارة الرئيس جو بايدن والحزب الديمقراطي الذي يعرف اختصارا بـBuild Back Better.

يتضمن مشروع هذا القانون إنفاقا هائلا يبلغ نحو تريليوني دولار على التعليم والصحة ودعم العائلة والأطفال ومحاربة التغير المناخي.

مر القانون بسهولة بمجلس النواب الذي يسيطر عليه الديمقراطيون لكنه يحتاج موافقة مجلس الشيوخ أيضا كي يصبح قانونا نافذا.

مجلس الشيوخ ذو المئة عضو، منقسم مناصفة بين الديمقراطيين والجمهوريين، إذ لكل طرف خمسون مقعدا فيه بعد الانتخابات الأخيرة في 2020.

في حالة “التعادل” هذه، يحسم التصويت على القوانين المارة بالمجلس صوت نائب رئيس الجمهورية، كما ينص على ذلك القانون.

وبما أن الرئيس من الحزب الديمقراطي، كانت خطة إدارة بايدن أن تتولى نائبة الرئيس، كاميلا هارس، كسر التعادل في المجلس لصالح تمرير هذا القانون. لكن إعلان السيناتور مانشن رفضه دعم هذا القانون يعني أن الديمقراطيين لن يصلوا إلى حالة التعادل هذه لتكون الأغلبية في التصويت للجمهوريين الرافضين لهذا القانون.

كانت الضربة بالتأكيد موجعة للحزب الديموقراطي وللرئيس بايدن اللذين كانا يعولّان كثيرا على هذا القانون في تحقيق وعودهما للناخبين.

ولذلك فإن الغضب الديمقراطي شديد ضد مانشن الذي تلقى شتى التهم منها الخيانة والتضليل والضعف، خصوصا وأن الديمقراطيين قدموا تنازلات كثيرة في بنود مشروع القانون هذا بناءً على مطالب مانشن وتحفظاته، بينها تخفيض قيمته الكلية من ثلاثة تريليونات إلى تريليوني دولار، لإقناعه بالتصويت لصالح القانون.

إعلان مانشن هذا مرتبط كثيرا بقناعاته السياسية كديمقراطي محافظ يعارض الإنفاق الحكومي الواسع ويهتم بتخفيض الدين الحكومي الضخم في ولاية صغيرة وفقيرة معروفة بتأييدها القوي للحزب الجمهوري وتصويتها الكاسح لصالح دونالد ترامب في انتخابات 2016 و2020.

وبالنسبة للعالم العربي، ليس مهما إذا كان قرار مانشن صائباً أو خاطئاً. المهم هو النموذج الذي تعرضه هذه القصة وغيرها، عن معنى العمل البرلماني في العالم العربي حيث الطموح بالديمقراطية والحديث عنها عاليان فيما الأداء فقير ومتعثر.

جذر العمل البرلماني في الديمقراطيات الناجحة هو تمثيل النواب للمصالح المحلية في المناطق الانتخابية وليس مصالح الأحزاب التي يأتي منها النواب.

يرتبط هذا الأمر أيضاً ببنية الأحزاب السياسية وفهمها لوظائفها وطرقها لإدارة الخلاف الداخلي.

في العالم العربي، الأحزاب عادةً تشكيلات هرمية يلتف أعضاؤها حول مجموعة أفكار معينة تمثل هوية الحزب الفكرية، وتدير هذه الأحزاب قيادات منتخبة حزبياً لديها سلطة على كل أعضاء الحزب.

يحول مثل هذا الترتيب الأحزاب إلى تنظيمات سياسية مركزية تنحدر فيها الأفكار والسلطات والمناصب من الأعلى إلى الأدنى وتقوم على مفاهيم الانضباط الحزبي والولاء الإيديولوجي اللذين كثيراً ما يضيعان في دهاليز التحالفات النفعية والصراعات الشخصية.

عندما تدخل أحزاب مركزية كهذه في انتخابات عامة ضمن ديمقراطيات هشة، فإنها غالباً تساهم في تشويه هذه الديمقراطيات من خلال إعلاء صوت الأيديولوجيا ومصالح الحزب على مصالح الناس الذين يسعى الحزب لكسب أصواتهم.

ويساعد على هذا الأمر بالطبع قوانين انتخابية سيئة ومنحازة حزبيا ووعي شعبي متدن بين جمهور الناخبين.

في الولايات المتحدة الأميركية، لا تعرف الأغلبية الساحقة من الأميركيين، حتى من بين أعضاء الحزبين الجمهوري والديمقراطي، اسم زعيم الحزب الجمهوري أو الديموقراطي، لأنه عملياً لا سلطة حزبية لرئيس الحزب على أعضاء الحزب، فدوره تنظيمي فحسب.

الذي يعرفه الأميركيون على نحو أكثر هو اسم الهيئة التي يقودها رئيس الحزب. في حالة الحزب الديمقراطي هي اللجنة الوطنية الديمقراطية وفي حالة الحزب الجمهوري هي اللجنة الوطنية الجمهورية.

وسبب شهرة هاتين اللجنتين ليس مرتبطاً بسلطاتهما، فدورهما استشاري وتنظيمي، بل بسبب المؤتمر الضخم الذي تنظمه كل واحدة منهما مرة في كل أربعة أعوام وتسمي فيه رسمياً مرشح الحزب لخوض انتخابات الرئاسة.

الفعالية الأهم في هذا المؤتمر التي يغطيها الإعلام بكثافة، هي إلقاء المرشح الرئاسي لخطابه. المهمة الأساسية للجنة هي اقتراح وترتيب الأفكار التي تمثل الأجندة السياسية للحزب، وهي تشمل مجموعة مبادئ عامة تعكس فلسفة الحزب بخصوص قضايا الساعة، يستطيع أن يكيفها الساسة المحليون والمرشحون الحزبيون حسب مناطقهم المختلفة.

لا تختار اللجنة المرشح الرئاسي، بل يختاره أعضاء الحزب (وأحياناً من خارج الحزب حسب نظام كل ولاية) في ظل انتخابات تمهيدية مناطقية على امتداد البلد.

على هذا النحو، لا يحتاج المرشح الانتخابي القيادة الحزبية كي يحصل على الترشيح وكي يفوز في الانتخابات. ينطبق هذا النظام، بتنوعيات مختلفة وفي معظم الولايات، على مرشحي الأحزاب الساعين للفوز بمقاعد برلمانية.

المحصلة النهائية هنا هي ربط المرشحين البرلمانيين بمصالح الجمهور الذي ينتخبهم وليس الحزب الذي رشحهم.

يجبر هذا النظام الأحزاب السياسية على تكييف نفسها وسياساتها مع مصالح الجمهور وليس العكس. مثل هذا النظام الحزبي هو الذي ينتج ساسة كجو مانشن ومواقف مستقلة وجريئة حد الصدمة كموقفه (وهناك سجل طويل تاريخياً لمثل هذه المواقف من جانب ساسة آخرين) لن يمكن إنتاج حياة ديمقراطية حقيقية في العالم العربي من دون إعادة هيكلة الأحزاب السياسية كي ترتبط بمصالح الناس. هذا يعني دمقرطة الأحزاب لنفسها من الداخل أولاً.

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …