الرئيسية / مقالات رأي / الناتو وروسيا وما بينهما أوكرانيا.. حرب الثغور

الناتو وروسيا وما بينهما أوكرانيا.. حرب الثغور

بقلم: مصطفى فحص – موقع الحرة

الشرق اليوم- بين الثابت الجغرافي والمتحول التاريخي، تعيد الإمبراطوريات الصاعدة أو المتوهمة إنتاج ذات الوقائع الجيوسياسية في عملية تبرير ممنهج لأهدافها الجديدة القديمة التي يعاد تعويمها إما في لحظة استشعار لضعف أو خطر محاذ في معناه الجغرافي (الأمن القومي) أو في مشروع التوسع والهيمنة الخارجية (النفوذ الإقليمية والدولية ).

وفي طبيعة النظام الروسي الحالي فإنه دائما يخوض حرب ثغور كلما شعر بتهديد مباشر في محيطه الجغرافي أو “الإمبراطوري”.

معضلة موسكو الجديدة مع الأزمة الأوكرانية أنه بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وتراجع هيمنتها على المجال الحيوي السوفيتي، وتوسع الناتو شرقا، أصبحت دولة مثل أوكرانيا لها ارتباط إثني وثقافي وروحي مع روسيا أحد أخطر الثغور المتقدمة لأعداء روسيا التاريخيين.

وباتت موسكو تتعامل معها كقاعدة متقدمة لجيوش “إمبراطورية ” الناتو، التي بنظرها أو حتى في يقينها السياسي، تخطط لحصارها وعزلها عن فضائها العام ولقطع الطريق الواصل ما بين حواضرها الأوراسية التي تعتبرها موسكو حدائقها الخلفية.

من هنا، لا يمكن لموسكو تحمل المراوغة الأميركية الأوروبية حيال أزمة انعدام الثقة ما بينها وبين الناتو بالعام، وحيال الأزمة الأوكرانية بالخاص، وقد ظهرت ذروة الانزعاج الروسي في الكلام الحاسم الذي أطلقه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، يوم الخميس الفائت، عندما اتهم حلف شمال الأطلسي بـ “خداع” روسيا بموجات متتالية من التوسع، وقال إن موسكو تحتاج إلى رد فوري بهذا الشأن، لكن الأبرز في كلامه عندما قال: “يتعين عليكم منحنا ضمانات وفوراً… الآن”.

الهفوة الكبيرة في موقف بوتين وتشديده على فكرة ” الآن” تكشف محاولاته الواضحة انتزاع تسوية سريعة وفورية، وذلك بسبب ريبته من المماطلة التي قد تستخدمها واشنطن في مفاوضات قد تصبح ماراثونية بين موسكو والناتو، قد يستغلها الأخير في فرض متغيرات أساسية في أوكرانيا تصعّب قدرة موسكو على الحل وتغلق بوجهها أغلب النوافذ الدبلوماسية، ما قد يدفعها إلى خيار الحرب الذي تتجنبه بشتى السبل.

في الواقعة الأوكرانية وضعت موسكو شروطها واشترطت عدم الشروط الأميركية، وهذا ما جاء على لسان نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، الذي أكد أن “موسكو لن تكون في وارد القبول بأي شروط مسبقة للإدارة الأميركية تتضمن إلزام روسيا تنفيذ أجندة على أراضيها ترضي واشنطن والناتو”.

لكن الإشكالية في تفسير كلام ريباكوف، تتضمن تساؤلات حول اعتباره أوكرانيا أو دول الفضاء السوفيتي أراض روسية، إضافة إلى مطالبته بتنفيذ ورقة الضمانات “التعجيزية” التي قدمتها موسكو إلى واشنطن وهي في المفهوم الاستراتيجي أشبه بورقة رضوخ من حلف شمال الأطلسي لشروط “حلف وارسو” والمعسكر الاشتراكي، إذ قد تصل المطالب الروسية إلى عودة الناتو لما قبل عام 1997.

الثابت الروسي في الأزمة الأوكرانية ألا تتحول أوكرانيا إلى إحدى ثغور الناتو، ولذلك يجب ألا تكون تحت أي شكل من الأشكال داخل المؤسسات الأوروبية أو ضمن استراتيجية  الناتو العسكرية، وأن تقوم بتطبيق اتفاقية مينسك وفقا للقراءة الروسية المختلفة تماما عن القراءة الأميركية  الأوكرانية.

وهذا الأمر قد يوسع الهوة بين الطرفين ويجعل من ورقة الضمانات الروسية حجة لمزيد من التدهور في العلاقة ولدفع موسكو المتوترة أصلا إلى القيام بخطوات غير محسوبة.  

الواضح أن إمكانية الوصول إلى تسوية ما في المديين القريب والمتوسط صعبة، والأخطر، إذا تعاملت واشنطن بتجاهل كامل مع ورقة الضمانات الأمنية الروسية وما تضمنته من شروط، فالعقدة أن موسكو ليست في الموقع الذي يستطيع أن يملي شروطه، كما أنها في ظروف داخلية لا تسمح لها بالتراجع، فالنبرة العالية من النخب السياسية تكشف ألا خيارات سهلة أمامها، لذلك لجأت إلى التصعيد لإرباك المعسكر الغربي، إذ تراهن موسكو على التباين في موقفه.

وإذا كان رهانها قد يساعدها على الحد من اندفاعة الناتو شرقا مؤقتا، لكنه من المستحيل أن يساعدها على  استعادة أوكرانيا أو حتى تحديها بعد أن تحولت إلى أبرز الثغور التي تؤرق صناع القرار الروسي.  

شاهد أيضاً

أمريكا والمسكوت عنه!

العربية- عبدالمنعم سعيد الشرق اليوم– الدولة تتكون من شعب وسلطة وإقليم؛ ويكون الشعب فى أعلى …