بقلم: فيصل عابدون – صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – يعتبر خبراء الاستراتيجية في العالم أن حواراً متصلاً بين الولايات المتحدة والصين هو واحد من أهم ضمانات الأمن والاستقرار في العالم. وفي مقدمة الخبراء الذين عبروا عن قلقهم العميق من انحراف علاقات المنافسة الأمريكية الصينية باتجاه الصراع المفتوح، هنري كيسنجر، الدبلوماسي الأمريكي المخضرم وعراب التطبيع الأول بين بكين وواشنطن.
وعلى الرغم من أن كيسنجر أوضح حجم الصعوبات التي تكتنف عملية الحوار بين العملاقين النوويين والمتعلقة بتفوق الصين في مجالات التجارة الدولية والصناعات العسكرية من جهة ومدى إمكانية موافقة الولايات المتحدة على قبول فكرة العالم متعدد الأقطاب، إلا أنه شدد على حتمية الحوار والحرص على عدم خروجه من المسار الدبلوماسي نحو المواجهة العسكرية.
ويقول الرجل إن الأسلحة فائقة التطور التي يمتلكها الجانبان قد تؤدي إلى صراع خطر للغاية وحرب محتملة قد تدمر العالم بأسره. وفي بداية رئاسته حاول الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب استعادة الدفء للعلاقات المتوترة بين البلدين لكن التوترات عادت بعد ذلك، وخلّف ترامب تركة ثقيلة من علاقات العداء الأمريكي الصيني لخليفته جو بايدن الذي حاول بدوره استعادة نوع من التطبيع بين واشنطن وبكين.
وتبرز نقاط الخلاف بين الولايات المتحدة والصين في نواحٍ عدة، بعضها يمكن احتواؤه وبعضها الآخر يحفر عميقاً في عملية التطبيع المأمولة ويهدد استمرار الحوار. فالولايات المتحدة تتهم الصين بممارسات غير منصفة في مجال التجارة، مثل الدعم الحكومي للصناعة، وتخفيض عملتها، ووضع عراقيل أمام منتجات الدول الأخرى. بينما تطالب بكين واشنطن بإلغاء التعريفات الجمركية الكبيرة على استيراد السلع الصينية، وتتهمها بـ«سحق» شركات التكنولوجيا الصينية الناجحة مثل هواوي.
وهناك قضايا أخرى هي أقرب ما تكون لأوراق ضغط مثل مسألة احترام حقوق الإنسان فيما يتصل بأقلية الإيجور ووضع الديمقراطية في هونج كونج. غير أن التنافس على الموارد وخاصة محاولات ضمان الملاحة في بحر الصين الجنوبي تبرز كواحدة من قضايا الحوار الصعبة، بالإضافة إلى وضعية تايوان التي تعتبرها الصين جزءاً لا يتجزأ من الوطن الأم وتؤكد الولايات المتحدة استعدادها الدائم للدفاع عن الجزيرة في مواجهة أي هجوم صيني محتمل.
وبعيد وصوله إلى السلطة في البيت الأبيض اعتبر الرئيس جو بايدن التوتر الحاد في العلاقات الصينية «أكبر عقبة جيوسياسية في القرن الـ 21». لكن أول جلسة محادثات مشتركة للحوار الاستراتيجي تم عقدها في مارس الماضي اتسمت بالخشونة اللفظية وتبادل الاتهامات بين وفدي البلدين. وعقد رئيسا البلدين اجتماعاً افتراضياً في أكتوبر الماضي لإنجاز ما أطلق عليه تسمية إدارة الخلاف والحيلولة دون تحول المنافسة القائمة إلى صراع مفتوح.
ولا شك أن الطرفين يدركان المخاطر التي يمكن أن يجلبها هذا التحول الذي حذر كيسنجر من نتائجه الكارثية، وقال إن الفشل في كبح التوترات الحادة قد يعيد العالم إلى مرحلة الحرب الباردة حيث كانت «الصراعات المستمرة تحل على أساس فوري، لكن أحدها كان يخرج عن السيطرة في مرحلة ما».