بقلم: د. ناجي صادق شراب – صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – يقال إن الحرب امتداد للسياسة، وهذا يعني أن الحرب إذا لم يكن لها أهدافها السياسية فستكون خياراً فاشلاً. وحروب الكبار لها أهدافها الكبرى، وتضحيات أكبر يدفع ثمنها الجميع. وأي اتفاق سلام يتبع الحرب ينبغي أن يرقى لهذه الأهداف الكبرى. وفي هذا النموذج تشكل الولايات المتحدة قاسماً مشتركاً.
قد تبدو الحرب مع روسيا مستبعدة في أوكرانيا، بعد لقاء القمة بين الرئيسين بايدن وبوتين، وأن التصريحات الأمريكية المتشددة التي جاءت على لسان بايدن، ووزير خارجيته، لم تكن إلا رسالة للحلفاء الأوروبيين حول الدور الأمريكي الحتمي، وأنه لا دور أوروبياً من دون الدور الأمريكي. وأما الحرب مع إيران، فالتصريحات التي تصدر على لسان أمريكيين وإسرائيليين، لا تعني أنها قد تكون حرباً سهلة، فإيران تمتلك من القوة ما قد يلحق الضرر الكثير، وهذه الحرب قد تتحول أيضاً إلى حرب إقليمية ودولية تخرج عن السيطرة، ويصعب وقفها، إذا لم يتم تحقيق الهدف منها، وهو إسقاط النظام القائم، والتخلص من كل القدرات النووية.
أما الحرب الخطأ فهي مع الصين. فقول وزير الخارجية الأمريكية «لن نسمح للصين بأن تذهب بعيداً في تايوان»، وقول الرئيس بايدن «لن نسمح للجزيرة الديمقراطية بأن يتم غزوها واحتلالها»، لا يعني أن الحرب واقعة حتماً. لكن في حالة وقوع الحرب فإن الصين ترى أنه بإمكانها أن ترد بضربات سريعة وحاسمة وتشل المقاومة التايوانية، وتضع الولايات المتحدة أمام الأمر الواقع.
وفي جميع الخيارات، فإنها لن تكون حرباً خاطفة، بل ستكون لها أبعادها الإقليمية والدولية، فمن السهل أن تبدأ الحرب لكن من الصعب تحديد نهايتها، وقد لا يحقق أي منهما أهدافه السياسية. وهي من نوع الحرب المكلفة في جميع نواحي الحياة، فلا الصين مستعدة لقبول الهزيمة، وكذلك الولايات المتحدة، لأن الثمن السياسي أكبر من أن يتحمّله كل طرف. ويعتقد الصينيون أن بإمكانهم توجيه ضربات صاروخية قوية تشل القدرات الدفاعية، ليس لتايوان فقط، بل للوجود العسكري الأمريكي في المنطقة. أضف إلى ذلك القدرات السيبرانية التي قد تحدث حالة من الفوضى تعيق أية ضربات تايوانية أو أمريكية. وفي مثل هذه حروب للهيمنة والسيطرة تزداد المخاطر منعاً للهزيمة، فهي حرب من نوع منع الهزيمة. وهي أصعب الحروب، وأعلاها مخاطرة. فالصين لن تسلم بالهزيمة التي تعنى مساساً بحكم الحزب والرئيس الصيني بينج. والسيناريو نفسه بالنسبة للولايات المتحدة التي تنظر إلى الحرب بأنها تأكيد على أحادية قوتها العسكرية، وتثبيت لأحادية النظام الدولي الذي ترفضه الصين وروسيا. لا أحد سيقبل بالهزيمة، وكلاهما يملك القدرات لاستمرار أطول حرب قد يعرفها التاريخ.
والمتعارف عليه في أدبيات الحروب أنه عندما تبدأ حروب الكبار فهي غير مقيدة بزمن، وأكثر تعقيداً وتشابكاً وأكثرها إمكانية لدخول أسلحة جديدة في الحرب آخرها النووية. وهذه الحرب ستتجه نحو البنية الاقتصادية والصناعية الكبرى، وقد تستهدف المدنيين. والحروب الكبرى تطلب أهدافاً كبرى، وتضحيات أكبر للفوز، وأي اتفاق سلام ينبغي أن يبرر هذه التضحيات. وهذا يجعل السلام أصعب، وتضيق الفرص الدبلوماسية. وقد تخلق حالة من العداء المستدام والكراهية وعدم الثقة، ما قد ينعكس على العديد من القضايا العالمية التي تحتاج إلى توافق.
لكل هذه الأسباب والمعطيات، فإن الحرب بين الولايات المتحدة والصين ستكون الحرب الخطأ. فكلاهما قوة نووية، وإن كانت القوة الأمريكية تفوق الصينية، وموازنة الدفاع الأمريكية التي تقارب التريليون دولار تشكل أضعاف موازنة للصين.
ورغم اللغة العسكرية، فإن الولايات المتحدة والصين تبحثان عن البدائل التي تحفظ ماء الوجه، كما يحدث مع روسيا في أزمة أوكرانيا، وما سيحدث مع إيران وصولاً لاتفاق نووي. إنها الحرب الأيديولوجية الجديدة، وما يصحبها من حرب باردة إلى أن يستقر النظام الدولي.