بقلم: د. ناصر زيدان – صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – كل المعطيات المتوافرة تؤكد أن لبنان أمام أشهر حاسمة، ولم يعد بإمكانه أن يعيش طويلاً في الحالة التي يمر بها اليوم، لأن مقومات الحياة فيه تراجعت إلى الحدود الدنيا، والدولة لم تعد قادرة على الصمود أمام المستوجبات المطلوبة منها في مختلف النواحي، لاسيما تلاشي قدرتها على تمويل حاجياتها الضرورية، وخصوصاً لناحية وصول عجزها مستقبلاً إلى حد عدم تمكنها من تأمين الرواتب وملحقاتها للعسكريين ولموظفي الدولة الآخرين، على الرغم من أن قيمة هذه الرواتب لم تعد كافية لتوفير الحد الأدنى للعيش. وكذلك الأمر بالنسبة لعدم قدرة الخزينة العامة على تغطية قيمة ما تحتاج إليه المرافق العامة الأساسية من مياه وهاتف وكهرباء وقطاع صحي وغيرها، لأن مداخيل الدولة تُجبى بالليرة اللبنانية وعلى التسعيرات القديمة، بينما غالبية متطلبات هذه القطاعات تُدفع بالعملات الأجنبية الصعبة.
قال رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أمام زواره: «إن الدولة لا يمكن أن تتحمل أكثر من ستة أشهر في هذه الوضعية، ولبنان أمام خطر الانحلال»، وتابع: نسعى لعقد جلسة لمجلس الوزراء قبل نهاية العام الحالي، لأن بعض الاستحقاقات تحتاج إلى قرارات من السلطة التنفيذية المناطة بمجلس الوزراء مجتمعاً وفقاً للدستور، ومن هذه الاستحقاقات: ضرورة إقرار موازنة الدولة بالأرقام الجديدة والموافقة على توقيع الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، وتصديق خطة استجرار الكهرباء من الأردن، والموافقة على عقد استيراد الغاز الطبيعي من مصر. والتعهدات التي أعطيت للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حول التزام لبنان ببعض القضايا الجوهرية قبل إعادة العلاقات إلى طبيعتها مع دول الخليج العربية التي تساعد لبنان؛ تحتاج هي أيضاً إلى موافقة مجلس الوزراء.
أطراف أخرى تحذّر من الخطر غير المسبوق الذي يهدد لبنان، ومنهم رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الذي قال لصحيفة «البلاد» السعودية: «إن خطراً وجودياً يهدد الكيان اللبناني ويُلتمس ذلك من الأوضاع الاقتصادية المتدهورة. ويتأكد من خلال تفلّت سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل الليرة اللبنانية؛ إن الاستقرار الاجتماعي قابل للانفجار في أية لحظة، وهو ما سينعكس بطبيعة الحال على الاستقرار الأمني، خصوصاً أن الجيش الذي يعوّل عليه بضبط الوضع؛ يعاني نقصاً هائلاً في التجهيزات اللوجستية التي لا يمكن تأمينها إلا بالعملات الصعبة، ورواتب ضباطه والجنود لا تكفي لسد حاجات هؤلاء وعائلاتهم».
والأكثر إيلاماً فيما يجري؛ هو انسداد القنوات الحوارية بين القوى الأساسية في البلاد، ويقف وراء هذا الانسداد الشروط التعجيزية لبعض الأحزاب، ومنها وقف تحقيقات جريمة تفجير مرفأ بيروت التي يجريها القاضي طارق البيطار، وسبق أن اعترضت على تحقيقات القاضي فادي صوان الذي بدأ بالتحقيق بالملف قبل أن تكُف يده لأسباب واهية. كما أن الأوضاع الإقليمية والدولية المحيطة بلبنان تسهم في تفاقم الأزمة، لاسيما لكون التفاوض على الملف النووي الإيراني في فيينا لم يصل إلى نتائج ناجعة، ولبنان رهينة في سوق التجاذبات التي تحيط بالملف.
من الواضح أن القوى اللبنانية عاجزة بمفردها عن إنتاج حلول للأزمة السياسية والمالية للبلاد، والفريق الذي يمسك بناصية القرار في دوائر الحكم؛ شريك في تعطيل حركة الدولة. وتعطيل حركة الدولة في مثل الأزمة الخانقة التي يمرّ بها لبنان اليوم؛ يشبه سحب قوارب النجاة عمداً من أمام الغريق المهدد بالموت.