بقلم: مفتاح شعيب – صحيفة الخليج
الشرق اليوم- لا توجد بين روسيا والغرب أزمة واحدة يمكن حلها بالمفاوضات أو بسواها، ولكن هناك محاور صراعات عديدة يصعب توقع المدى الذي ستصل إليه أو متى يمكن أن تنفرج. أما الحقيقة الغالبة فإن التوتر سيبقى سيد الموقف إلى أمد غير معلوم، وهو الوضع الطبيعي والقاعدة الواقعية، وفي ضوء ذلك لن يتاح لموسكو وواشنطن أن تصبحا حليفتين تتبنيان ذات المواقف وتعملان على نفس الأهداف.
العلاقة الجارية بين الطرفين في هذا الظرف تمر بمرحلة دقيقة للغاية بسبب الأوضاع في أوكرانيا وبيلاروسيا ودول البلطيق والبحر الأسود وقضايا الاستقرار الاستراتيجي المتعلقة بسباقات التسلح.
وبالنظر إلى الخطابات الدبلوماسية التصعيدية والتحركات العسكرية المريبة، هناك أجواء حرب مفتوحة على كل الاحتمالات، وما كان يتم الحديث عنه تلميحاً، قبل سنوات، أصبح اليوم صريحاً ومعلناً. فالخطاب الغربي يصرّ على أن حشود الجيش الروسي شرقي أوكرانيا هي تمهيد لاجتياح هذا البلد إذا ما استضاف قوات “معادية” من حلف شمال الأطلسي “الناتو”. ولأن للغرب مصالح عديدة وعُقد تاريخية، مازال يرى في نفسه وصياً على الأمن والسلام الدوليين. وعلى مدى الأسابيع الماضية، ظل المسؤولون في واشنطن وباريس ولندن وبرلين وبروكسل يطلقون التهديد تلو الآخر بفرض عقوبات “قاسية جداً” على موسكو، دون أن يستوعبوا أن هذه اللغة فات وقتها ولن تجدي نفعاً، في ظل التقلبات الدولية العديدة خصوصاً مع دولة عظمى مثل روسيا الاتحادية. وإذا كان للولايات المتحدة، في هذا الصراع، حلفاء عديدون، فإن لروسيا حليفاً لا يضاهى، وهو الصين التي تتقدم بهدوء على جميع الصعد، ولها قضايا مع الغرب تستوجب التصفية مثل الوضع الاستراتيجي في منطقة المحيطين الهندي والهادي ومصير تايوان والتوازن التكنولوجي وصولاً إلى سباق الفضاء.
الأجواء في أكثر من منطقة مثيرة للقلق وتنذر بمصير لا يمكن تخيله؛ إذا بقيت مسارات التصعيد على حالها من دون تهدئة أو تعقل. فما تعتبره روسيا “مضايقات” غربية لأمنها القومي يمكن أن يدفعها إلى رد فعل عنيف لا يمكن تصوره، ومن يخططون لذلك يحاولون أن ينصبوا لها فخاً ثم يتنادون دفاعاً عن الشرعية الدولية، وهذه السياسة اعتادت عليها العواصم الغربية في العقود الماضية، وتمكنت بواسطتها من تغيير أنظمة واحتلال دول وتحويل وجهات مصالح وفرض أجندات. ولكن ذلك النهج لم يعد متاحاً اليوم. والتشدد الروسي هو نتاج لتلك التجارب ويعدّ رداً عليها، وتجد في ذلك كل الدعم من الصين وقوى إقليمية عديدة، باتت واثقة من أن النظام العالمي السائد منذ نهاية الحرب العالمية الثانية انتهى ولم يعد بالإمكان المد في أنفاسه.
الخوف من الحرب أسوأ من الحرب ذاتها، وما تعيشه أوروبا هذه الأيام أسوأ من أحلك أيام الحرب الباردة. فالرئيس فلاديمير بوتين أكد أن “الأمريكيين أصبحوا على عتبة دارنا” في إشارة إلى تقديم أسلحة إلى أوكرانيا. وفي ضوء ذلك، لم يعد لروسيا مجال للتراجع، بل إنها ستتحرك لحفظ أمنها القومي. وهذه رسالة شديدة الوضوح ليت المعنيين يتدبرون إنذاراتها قبل فوات الأوان.