الرئيسية / مقالات رأي / عيّشني اليوم موّتني بُكره

عيّشني اليوم موّتني بُكره

بقلم: إبراهيم الزبيدي – العرب اللندنية

الشرق اليوم- يقول المثل الشعبي عندنا “عيشني اليوم موّتني بكره”، لكنَّ حكامَ بعض الدول غير النامية الذين يسكنهم جنون العظمة والحنين إلى المجد والخلود، والحالمين بإعادة إمبراطوريات أجدادهم القدامى إلى الحياة، بعد موتها، فيسيرون على قاعدة “مُت اليوم، لأحييك غداً”.

نعَم، إن إيران دولة كبيرة وغنية بشعبها ومواردها وتاريخها الحضاري العريق، ولكن تخيلوا حالها وحال شعبها لو كان النظام الحاكم فيها سوياً مهذبا مسالما بَنّاءً يستثمر حيوية شعبه وإنجازاته وطاقاته الإبداعية العظيمة وثرواته الطائلة في إسعاد مواطنيه وإعمار مدنهم وقراهم وتحديثها وإغنائها، وفي ترسيخ أمنهم وسلامهم بدل الحروب والعنف والظلم والإرهاب، وترويج ثقافات العصور الجاهلية وعاداتها وطقوسها المتخلفة.

تعالوا ندقق بعناية ونتتبع ما أنفقه النظام الإيراني وما ينفقه على المفاعلات النووية والصواريخ والمفخخات والمسيرات والميليشيات.

فكل الصواريخ التي يشحنها النظام إلى العراق، وكل مسيرة يرسلها الحوثيون إلى السعودية، وكل الأسلحة والأموال التي أرسلها النظام الإيراني إلى سوريا ولبنان، ثم تدمرها الغارات الإسرائيلية والأميركية والسعودية، هي أموال تحترق بغباء وجنون، وقد كان بإمكانها أن تسعد الكثير من الإيرانيين المحتاجين والباحثين عن الغذاء والدواء ولا يجدون.

ثم ابحثوا في آثار العقوبات الدولية على حركة الاقتصاد الإيراني وانعكاساتها المدمرة على حياة الإيرانيين.

ثم فتشوا، بعد ذلك، عن الضرورة الوطنية والقومية والدينية التي حكمت على الولي الفقيه بأن يناطح العالم، ويدفعه دفعا إلى فرض تلك العقوبات وإغراق الملايين من الإيرانيين في التعاسة.

إن أغلب التقارير الدولية تؤكد أن إيران تحتل المرتبة الأولى في الفقر وصعوبة الحياة المعيشية بين 19 بلداً في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وأن نصف المواطنين الإيرانيين عاجزون عن توفير الطعام والسكن لأسرهم في بعض الأحيان.

وذلك لأن الولي الفقيه ومعاونيه مؤمنون بأن على الشعب الإيراني أن يتحمل أقسى أنواع الضنك والعوز والبطالة، وأن يضحي بحريته وكرامته، في الداخل، من أجل أن يتحقق الحلم الإمبراطوري القديم، في الخارج، حين سيرفع الحرس الثوري رايات الخميني وخامنئي على شواطئ البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر والخليج بعد عمر طويل.ويباهي الولي الفقيه وكبار معاونيه بانتصاراتهم، ويرددون دائما قولهم إنهم جعلوا إيران من دول العالم الكبرى التي تقرر مصير الكون.

فقد خطب المرشد الأعلى عند قبر الخميني ذات مرة في ذكرى وفاته فأعلن أن إيران اليوم رغم العقوبات المفروضة عليها “تطلق الأقمار الصناعية، وترسل الكائنات الحية إلى الفضاء، وتنتج الطاقة النووية، وأنها باتت واحدة من الدول العشر الأوائل في الكثير من العلوم الحديثة”.

وأكد أن بلاده استطاعت بملايينها الـ75 أن تقف في مواجهة الكيان الصهيوني وتدافع عن المظلومين بكل قوة، وأن التجربة التي حققها الشعب الإيراني خلال العقود الماضية سوف توصله إلى القمة.

ولكن الحقيقة هي غير ذلك تماما، وبالأدلة والبراهين. فعلى مدى سنين أنفق النظام وما يزال ينفق على مشروعه النووي وعلى تطوير الصواريخ والمسيرات ثلاثة أرباع واردات الدولة الإيرانية، ثم تأتي إسرائيل، ومن ورائها الولايات المتحدة، فتحرق وتدمر وتعطل دون هوادة.

ولو كان هناك في النهاية، ولو بعد قرون، بصيص أمل يبشر بأن إيران سوف تنتصر على الولايات المتحدة، وتمحو إسرائيل من الوجود، وتحرر فلسطين من النهر إلى البحر، وتجبر السوريين واللبنانيين والعراقيين واليمنيين على السكون والاستسلام والتوقف عن المقاومة، لهان الأمر، ولكان على المواطن الإيراني المحاصر في الداخل والمطارد في الخارج أن يصبر ويكظم غيظه وينتظر الغد البعيد.

ولكن الشواهد كلها تؤكد غير ذلك. فلا الولايات المتحدة ولا أوروبا تريد أن تكون إيران دولة نووية في المنطقة. ولا أحد من العراقيين والسوريين واللبنانيين واليمنيين سوف يتوقف عن مقاومة الاحتلال الإيراني وعن الهتاف “إيران برّه برّه”.

ويبدو أن إسرائيل تستغل حالة الضعف الشديد التي تمرُّ بها إيران حالياً، وتقهقر جبهتها الداخلية بسبب عوامل عدَّة، منها تدهور الوضع الاقتصادي، والتخبُّط في التعامل مع الملف الأمني، وارتفاع منسوب الاحتقان في الشارع، وتصر على تضييق الخناق عليها إلى أبعد مدى ممكن.

ويتجلَّى ذلك في تكثيف ضرباتها على المنشآت الحيوية داخل إيران نفسها، وعلى مواقع وجودها في سوريا بشكل غير مسبوق، بالإضافة إلى الضربات الماحقة التي يتلقّاها الحوثيون في اليمن دون توقف.

ومن المحتمل أن يتخذ مجلس إدارة الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا قرارا يطالب باتّخاذ إجراءات عسكرية ضد إيران في حال عدم تقديمها تفاصيل دقيقة عن مخلفات أسلحة نووية تم العثور عليها من قبل مفتشي الأمم المتحدة في مواقع نووية إيرانية سرية.

ويقول رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت بصراحة “لم تعد ملاحقة إرهابيي فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني كافية، علينا الذهاب إلى المصدر”.

يعني أن إيران، منذ سنين وحتى اليوم، وستبقى إلى أمد قادم طويل، أشبه ما تكون بالسيد سيزيف الذي قضى عمره حاملا الصخرة، ومحاولاً الصعود بها إلى قمة الجبل، ولكنه ظل إلى أن مات يتقدم خطوة ويعود إلى الخلف خطوات.

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …