بقلم: د.وحيد عبدالمجيد – صحيفة الاتحاد
الشرق اليوم- ما زالت المسافة بعيدةً بين الموقفين الروسي والأمريكي-الغربي إزاء الأزمة الأوكرانية بعد أسبوعين على قمة 7 ديسمبر بين بوتين وبايدن، تصر موسكو على ضمانات تعاقدية بعدم ضم أوكرانيا إلى حلف الأطلسي “الناتو” وتُعده خطاً أحمرَ، فيما تترك واشنطن هذا الخيار مفتوحاً مع التهديد بفرض عقوبات غير مسبوقة على روسيا إذا غزت جارتها.
وفي الوقت الذي تتحرك فيه واشنطن لتعبئة حلفائها الأوروبيين، تُواصل روسيا الاستعداد لما تُسميه رداً قاسياً على أي عمل استفزازي من جانب أوكرانيا. ويحدث هذا كله فيما تُفيد تقارير استخباراتية أميركية بأن روسيا ربما تغزو أوكرانيا في الشهر المُقبل. غير أن مُعدي مثل هذه التقارير يمكن أن يتأثروا بأجواء التوتر الأكثر حدة، وقد يُبالغون في تقديراتهم كنوع من التحوط لكي لا يُتهموا بالتقصير في حالة حدوث مثل هذا الغزو فعلاً.
وإذا تأملنا هذا المشهد المتوتر بشيء من التمعن، يُمكن أن نضعه في سياقه التاريخي. فقد صارت أوكرانيا، منذ استقلالها عام 1991 إثر تفكك الاتحاد السوفييتي السابق، منطقة صراع بين روسيا، وريثة ذلك الاتحاد، وأمريكا وحلفائها الغربيين. وعلى مدى ثلاثة عقود، مضى هذا الصراع في مسار متذبذب صعوداً وهبوطاً بلغ أعلى ذروة في 2014 حين ضمت روسيا شبه جزيرة القرم، ثم نزل عنها، وعاود الصعود وهكذا.
نحن إذن إزاء فصل جديد في صراع مُمتد اندفع الطرفان في الأسابيع الأخيرة نحو تصعيده في مشهد يُثير قلقاً حقيقياً من انزلاقهما إلى مواجهة خطيرة. غير أن ثمة روادع موضوعية ربما تُتيح تجنب هذه المواجهة التي سيخرج كلاهما منها خاسراً بدرجات متفاوتة. صحيح أنه يصعب اليوم حل الصراع، أو تحويله إلى معادلة رابح-رابح، ولكن في الإمكان تجنب الوصول إلى معادلة خاسر-خاسر. لن يُفيد موسكو ضم منطقة جديدة من أوكرانيا (إقليم دونباس) لمنع تمدد “الناتو” نحو حدودها، بل العكس هو الأرجح. فما أن تشن عملاً عسكرياً حتى تتدفق قوات “الناتو” إلى داخل أوكرانيا، وربما يُسرع الحلف إلى قبول طلبها المُقدم منذ 2008 وضمها إليه. وستكون خسارةُ موسكو أكبر في حالة التزام الدول الأوروبية بمشاركة واشنطن في فرض عقوبات اقتصادية قاسية على روسيا.
كما أن واشنطن ستُصبح مُشتتةً بين صراعين كبيرين ضد روسيا والصين في آنٍ معاً، وقد لا يُحقق ردها الاقتصادي هدفَه في عزل روسيا عن النظام المالي العالمي. سيكون على أمريكا أن تسعى لفرض عقوبات اقتصادية ومالية شاملة ضد روسيا، ولكن نجاح هذا السعي ليس مضموناً؛ لأن دولاً أوروبية عدة قد تتردد، وخاصةً في ظل حاجتها الشديدة إلى الغاز الذي لا بديل عنه اليوم لكثير من الشركات والمصانع، ولتدفئة المنازل.
ثمة روادِع موضوعية إذن تفرض عدم التعجل في توقع السيناريو الأسوأ في الأسابيع المُقبلة، وقد تدفع الطرفين إلى حوار جاد يقود إلى تهدئة التوتر والابتعاد عن حافة الهاوية مؤقتاً على الأقل.