الرئيسية / مقالات رأي / من الشراكة إلى التحالف

من الشراكة إلى التحالف

بقلم: نبيل سالم – صحيفة “الخليج”

الشرق اليوم – جبهة واحدة في وجه الغرب، بهذه العبارة يمكن تلخيص المعاني التي حملتها القمة الافتراضية الأخيرة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الصيني شي جين بينج، والتي عقدت في وقت يتصاعد فيه التوتر في العديد من الملفات بين هاتين الدولتين والغرب، ولا سيما الولايات المتحدة، وبشكل خاص التوتر الذي دشنته الخطوات الغربية وخطط الناتو للتمدد في شرق أوروبا، وهو تمدد يمس المصالح الروسية، ويشكل تهديداً خطيراً للأمن القومي الروسي، إضافة إلى التوتر بين الصين والولايات المتحدة في بحر الصين الجنوبي، والذي تؤكد بكين أن واشنطن هي المحرك الرئيسي له، من خلال سعيها لاستعراض قوتها في بحر الصين الجنوبي، تحت ستار حرية الإبحار، ناهيك أيضاً عن الخلافات الكثيرة حول تايوان، ذات الطابع الاقتصادي، والتي تزيد من سخونتها العقوبات التي تفرض على كل من روسيا والصين، والتي تعد أيضاً شكلاً من أشكال التدخل في شؤون البلدين الداخلية، وهو ما دعا وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إلى المطالبة بالاعتماد على المقومات والقدرات الذاتية للبلدين بهدف تحدي الهيمنة الأمريكية الغربية.

ومن يتتبع العلاقات الروسية – الصينية، يلاحظ من دون عناء أن هذه العلاقات تتطور بشكل متسارع، في السنوات الأخيرة، وأن أهم العوامل في تطور هذه العلاقات هو سعي البلدين إلى إنهاء الهيمنة الأمريكية على النظام العالمي، وأن يكونا شريكين فيه.

ومع أن العلاقات الروسية – الصينية قد مرت في الماضي بالكثير من الأزمات التي كادت تصل إلى حافة الصراع، إلا أن انهيار الاتحاد السوفييتي السابق، شكل في الواقع نقطة تحول في هذه العلاقات، حيث لم تعد كل منهما تمثل أولوية إلى الأخرى، حيث ركزت روسيا اهتمامها على مواجهة مشكلاتها الاقتصادية، ومعالجة تداعيات انهيار الصرح السوفييتي، فيما اتجهت الصين إلى جذب الاستثمارات الأجنبية وبناء اقتصاد قوي، مع استمرار سيطرة الدولة على مفاصل الاقتصاد الأساسية.

ورغم أن العلاقات الصينية الروسية علاقات وثيقة وودية منذ عام 1991 حيث تحافظ بكين وموسكو على تحالف جيوسياسي وإقليمي قوي ومستويات كبيرة من التجارة، إلا أن البلدين يسعيان في ظل الضغط الغربي المتزايد عليهما، وتزايد الاستفزازات الأمريكية والتدخلات الغربية بشكل عام في شؤونهما الداخلية إلى تحويل شراكتهما الاستراتيجية إلى حالة أشبه ما تكون بالتحالف العسكري الفعلي، خاصة في المرحلة الراهنة التي تفرض على الجانبين تبادلاً لوجهات النظر حول القضايا العالمية والإقليمية الملحة، حيث ينظر البلدان بريبة إلى السياسة الغربية تجاه كل منهما، رغم التصريحات الغربية التي يزعم من خلالها الساسة الغربيون بأنهم يرغبون في خفض حدة التوترات التي يقومون بصنعها بأنفسهم، كما هو الحال في تصريحات وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن عشية قمة فلاديمير بوتين وشي جين بينج بأن «الحدّ الأقصى للعلاقات المبرمجة مع بكين هو جعل التنافس الاستراتيجي معها قيد التحكّم». وتأكيده في الوقت ذاته عزم الولايات المتحدة ً على «ضمان حرية الملاحة في بحر الصين الجنوبي»، فيما أججت زيارة وزير الدفاع الأمريكي إلى أوكرانيا حالة التوتر المتصاعد بين روسيا من جهة وحلف الناتو وواشنطن من جهة أخرى، حيث ألمح إلى دعم أمريكي واسع لانضمام كييف إلى حلف الأطلسي. 

وفي تحد واضح لمعارضة روسيا لانضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو قال أوستن إنه لا توجد دولة ثالثة لديها فيتو ضد تطلعات كييف للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي، داعياً روسيا إلى إنهاء ما أسماه «العدوان» على منطقة القرم، والتوقف عن زعزعة الاستقرار في منطقة البحر الأسود وأوكرانيا، وهو ما دفع روسيا إلى تهديد الغرب بعواقب وخيمة.

وأمام كل هذه التطورات يمكن القول إن قمة بوتين وشي جين بينج تأتي ضمن مساعي كل من روسيا والصين لمواجهة سياسة الاحتواء التي تنتهجها الولايات المتحدة والقوى الغربية المتحالفة معها. فهل تشكل العلاقات الروسية الصينية مدخلاً لإنهاء الهيمنة الأمريكية، أو على الأقل إعادة القطبية الثنائية بدلاً من القطبية الأحادية التي ولدت بعد انهيار الصرح السوفييتي؟

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …