بقلم: د. أحمد يوسف أحمد – صحيفة الاتحاد
الشرق اليوم- تناولت مقالةُ الأسبوع الماضي “فكرةَ القمة الديمقراطية”، سواء من حيث الداعي لها أو المدعوِّين لحضورها أو توقيت انعقادها، ولم تكن الولايات المتحدة في نظر الكثير من الكتاب هي أنسب مَن يدعو للقمة في وقت تواجه فيه الديمقراطية الأمريكية ذاتُها تحديات حقيقية خاصةً إبان ولاية ترامب وما اكتنفها من انقسام شديد بين خصومه وأنصاره، وبالذات بعد ظهور نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة وصولا إلى حادث اقتحام الكونجرس الأمريكي لمنعه من التصديق عليها.
وتتناول هذه المقالة حصاد القمة التي لم يصدر عنها بيان ختامي، وإنما أدلى الرئيس الأمريكي جو بايدن بملاحظات ختامية في نهاية القمة أدهشتني بالدرجة نفسها التي تعجبت بها من فكرة القمة ذاتها، إذ لم تتجاوز الملاحظات عموميات وبديهيات لم تكن بحاجة إلى قمة للتذكير بها. فقد بدأ بايدن ملاحظاته بالتأكيد على القيم المشتركة التي جمعت بين الحاضرين وتمثل أساساً لقوتهم، والإشارة إلى الآراء التي عُرضت في القمة، سواء من قيادات رسمية أو نشطاء إصلاحيين في المجال الديمقراطي، وهي آراء سلطت الأضواء على أهمية حماية حرية الإعلام وتعزيز وضع النساء والفتيات والدفاع عن حقوق الإنسان، والتأكد من التوظيف السليم للتكنولوجيا في هذا الصدد، واهتمامات الشباب باعتبارهم أصحاب المصلحة الأساسيين في المستقبل، والأساس المشترك بين الجميع للتحديات التي تواجههم وسبل مواجهتها رغم التنوع فيما بينهم. وتحدث بايدن عن الالتزامات التي تم التعهد بها من قبل المشاركين بمكافحة “النظم السلطوية” والفساد وتعزيز حقوق الإنسان، وأشاد بالطاقة والحماس اللذين كشفت عنهما القمة لتعبئة شعوب العالم دعماً للقيم الديمقراطية، وأعرب عن أمله في الوفاء بالالتزامات التي قطعها المشاركون على أنفسهم، وقياس نتائج الجهود التي ستُبذل في هذا الصدد بحيث تنظر القمةُ القادمةُ في تقارير عن مدى التقدم الذي أحرزته هذه الجهود، وأكد التزامه بتقوية الديمقراطية في الداخل الأمريكي، والعمل مع شركاء الولايات المتحدة لإثبات قدرة الديمقراطية على تلبية طموحات الشعوب، ولم يفته أن يستخدم بعض العبارات الحماسية الإنشائية كما في قوله إن النظم السلطوية لن تستطيع أن تطفئ جذوة الحرية المشتعلة في قلوب شعوب العالم!
ومن الواضح أننا إزاء كلمة لا تتضمن أي جديد من الأهداف، لا على الساحة الأمريكية ولا الدولية، ولذلك فالجديد المنتظر كان من الممكن أن يتمثل في آليات العمل من أجل تعزيز الديمقراطية، وهو ما لم يوضحه بايدن في كلمته، كذلك فإن كلمته لم تتضمن حرفاً عن التحديات التي تواجه الديمقراطية الليبرالية في عقر دارها، أي في الولايات المتحدة وأوروبا، وتتمثل في صعود اليمين المتطرف الذي يهدد جوهر الديمقراطية حال استمراره، وبالتالي فإنه لم يحدد في كلمته منهج عمل لمواجهة هذه التحديات، ولم يُشر كذلك إلى معضلة تدليل الولايات المتحدة لاعتبارات مصلحية لنظم تدخل في شريحة النظم السلطوية كما يسميها، كما أن بايدن لم يُضَمِّن كلمتَه حرفاً عن النقد الذاتي للتجارب الأمريكية الخاصة بالتدخل الإكراهي لدى شعوب بعينها من أجل فرض الديمقراطية والنتائج الكارثية لهذه التجارب، والأهم من ذلك في تقديري أنه لم يتناول “الدول المنبوذة” التي استكثر عليها وصف الديمقراطية -وهي قرابة نصف العالم- والنهج الذي تتصوره القمة في التعامل مع هذه الدول المستاءة من المعايير غير العلمية التي اتُبعت في اختيار المشاركين في القمة. وأخيراً وليس آخراً فإن بايدن لم يرد على مَن اتهموا القمة بحق بأنها سوف تعمق الاستقطاب الدولي الراهن مع الصين وروسيا، فهل خدمت القمة قضية الديمقراطية فعلا؟