بقلم: سناء الجاك – سكاي نيوز
الشرق اليوم- قلما يخلو يوم من خبر عن تهديدات متبادلة بين إيران وإسرائيل. ففي حين صدر تحذير إسرائيلي يحذِّر من “إجراءات أخرى في حال فشل الدبلوماسية في وقف التطور السريع في برنامج طهران النووي”، رد القائد العسكري في “الحرس الثوري” الإيراني غلام علي رشيد بأن “قوات بلاده المسلحة سترد فورا وبهجوم ساحق ماحق على إي إعتداء إسرائيلي، وذلك بإستهداف “جميع المراكز والقواعد والطرق والمواقع التي استخدمت لتنفيذ الاعتداء”.
ولكن، في حين تنفِّذ إسرائيل تهديداتها بالتقسيط المريح، ومن دون مشقة خوض حرب مباشرة مكلفة، تكتفي إيران باللعب في الوقت الضائع وبالدول الضائعة المجهولة المصير.
ولكن في المحصلة لا شيء يغيِّر موازين القوى، لا الضربات الإسرائيلية النوعية المركزة على مستودعات الأسلحة الإيرانية في سوريا، أو حتى تلك التي وصلت إلى العمق الإيراني، ولا إستعراض القوة غير الفعالة من الجهة الإيرانية التي تسارع إلى التعتيم الإعلامي على الضربات بغية إخفاء الحجم الفعلي للخسائر البشرية والمادية، لتكتفي بالتصريحات النارية الفارغة المضمون.
لعل مرحلة تحديد الأحجام والأدوار للقوى التي تتجاذب السيطرة على المنطقة لم يحن أوانها. ذلك أن الولايات المتحدة التي تتحكم بالقرارات الدولية وتسمح للقوى الإقليمية باللعب في حدود ما يخدم مصلحتها، لديها إنشغالات كثيرة في الإقليم، ولديها وكلاء يتابعون الملفات الساخنة من ليبيا إلى السودان إلى سورية، فالعراق فاليمن فأثيوبيا..وغيرها وغيرها، وذلك بالقدر الذي يهمها.
الأولويات الأميركية ليست عندنا. واللعبة الكبرى التي لا تحتمل الوقت الضائع، مسرحها أوروبا الشرقية والدور الروسي الآخذ في التحدي والتمدد، ناهيك عن الهم الصيني الذي يحتل الصدارة بتعقيداته وتشعباته.
من هنا، يبدو الكلام الرسمي الأميركي عن تأكيد “التزام الولايات المتحدة القوي والمؤكد” بالأمن في الشرق الأوسط، عملة لا سوق صرف لها، حتى لحظتنا الراهنة، إذا ما تابعنا مجريات الحروب الصغيرة والكبيرة التي تعيشها المنطقة، والتي من شأنها تهديد الإنجازات النوعية، وتحديدا الخليجية التي تتحدى إرتدادات هذه الحروب المحيطة بها، على أمل أن تتحدد صيغ التوازنات المقبلة التي ترسم لهذه المنطقة.
بالتالي، تساهم إنشغالات القوى العظمى بإبقاء الملف النووي الإيراني ومعه تبعاته على دول المنطقة، ما دون المرتبة الأولى.
ولا ضير في أن يتحكم الإنتظار بقواعد اللعبة بين إيران و”الشياطين” التي تفتعل مواجهتها لتضخِّم حجمها وتستل من هذه المواجهة صيغة قوة تترجمها بحروب مدمرة تقودها أذرعها في دول هشة، لتسجيل النقاط وبسط النفوذ وإبتزاز من تفاوضه.
وفي الإنتظار تتناقض عبارة “بناءة وإيجابية” على الخطاب الإيراني في توصيف مفاوضات فيينا، من جهة، مقابل عبارة أميركية بأن “لا وقت لدى إيران التي لم تنخرط بعد في مفاوضات جدية”، وخيبة أوروبية “لتعليق المفاوضات من الجانب الإيراني بغية المزيد من المشاورات في طهران”، من جهة أخرى.
ففي حين تلعب إيران في الوقت الضائع، يترقب الخارج مآل المفاوضات ونتائجها ليبني على الشيء مقتضاه وفق مصالح كل طرف، سواء في الإقليم الباحثة دوله عن الاستقرار والأمان، أو لجهة التعاون الاقتصادي المرتقب، وتحديدا الأوروبي الباحث عن صفقات جديدة وأسواق جديدة.
بالتالي فإن التطمينات بأن جولة المفوضات الأخيرة كانت “بناءة وإيجابية” إنما هي للداخل الذي يفتقد الماء والقوت، ويعاني من مؤشرات التضخم التي شهدت زيادة أعلى من السنوات الماضية.
وبحسب آخر تقرير للخزانة العامة الإيرانية، صدر في منتصف الشهر الإيراني السادس، فقد تم تأمين ثلث ميزانية هذا العام فقط، فيما بلغت حصة عائدات النفط الإيرانية في الميزانية 9٪ فقط، ما سبب عجزاً كبيرا في الموازنة. ولم ولن يثمر شعار “الدبلوماسية الاقتصادية” الذي رفعته حكومة إبراهيم رئيسي، القاضي بتوسيع العلاقات التجارية مع دول الجوار.
ذلك أن دول الجوار التي تُعوِّل عليها إيران هي التي تدور في فلكها وتنفذ أجندتها وتدفع الثمن إنهيارا إقتصاديا قاتلا، وتحتاج إلى مساعدات إنسانية من قاعدة الهرم المعيشي إلى قمة هرمه.
أما الدول المفيدة لجهة توسيع العلاقات التجارية، فبينها وبين إيران سد منيع بسبب الإعتداءات التي لا تزال تتعرض لها، مباشرة أو بفعل الأنشطة العسكرية للأذرع الإيرانية. هذا من دون إغفال عامل أساسي وهو عدم رفع العقوبات بسبب تعثر المفاوضات النووية.
ومع هذا تواصل إيران مراوحتها ومكابرتها، وتحاول الحصول على مزيد من الأوراق في الوقت الضائع، من خلال توليد الأزمات في الدول التي تصادر سيادتها.
ومع هذا تواصل الولايات المتحدة سياستها الرمادية وفق أولوياتها، مكتفية بالضربات الإسرائيلية الحالية التي، وإن أوجعت، إلا أنها لا تشكل ردعا فعالا للطموح الإيراني الذي، ومنذ تمكن الثورة الخمينية من الإستيلاء على السلطة، لا يزال يصول ويجول بدماء العرب وبتجويع شعبه، بحثا عن دور أكبر من حجمه في الإقليم.