افتتاحية صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – على الرغم من ارتفاع منسوب التوتر والتهديدات المتبادلة، والحديث عن حرب في مطلع العام الجديد، على خلفية ما يجري على الحدود الروسية الأوكرانية من حشود عسكرية متبادلة، فإن في خلفية هذا المشهد المقلق كلام سياسي جدي عن جهود للتوصل إلى تسوية بين روسيا والدول الغربية. بمعنى أن الدول المعنية تدرك مخاطر الانزلاق إلى مواجهة مسلحة قد تتجاوز حدود البلدين إلى كل أوروبا، وربما إلى حرب أوسع، وهذا أمر غير مسموح به؛ لأنه يعني كارثة عالمية.
إذاً، لا بد من تسوية سياسية تصب مياهاً باردة على الجمر المتقد، وتخفف من وتيرة الاحتقان العسكري، وهذا أمر لا بد منه لحماية الأمن والسلم العالميين، وسط مخاطر هائلة يواجهها العالم جراء تفشي وباء كورونا ومتحوّراته القاتلة، وما يتركه من تداعيات وخسائر هائلة بشرية ومادية واقتصادية واجتماعية، ما يقتضي التخفيف من حدة التنافس والصراع على النفوذ، والتعاون الجماعي لمواجهة وباء يبدو أنه سيظل يرافقنا لأمد بعيد.
وبما أن روسيا معنية أكثر من غيرها بهذه الأزمة، فقد قدمت اقتراحين للدول الغربية من شأنهما من وجهة نظرها الحد من النفوذ العسكري للولايات المتحدة وحلف الأطلسي في جوارها، وينصان على حظر أي توسع عسكري إضافي للحلف، أو إنشاء قواعد عسكرية أمريكية في الجمهوريات السوفييتية السابقة تحت مسمى «معاهدة بين الولايات المتحدة وروسيا بشأن الضمانات الأمنية».
ترى موسكو أن المقترحين يفتحان نافذة للحوار والاتفاق إذا قوبلا بإيجابية وتفهم، وهي على استعداد لإرسال مبعوث على مستوى رفيع «لإجراء محادثات في بلد محايد» بشأن المبادرة.
لم يكن الرد الغربي سلبياً؛ بل أعلن مستشار الأمن القومي الأمريكي جاك سوليفان استعداد واشنطن «للحوار مع موسكو بالشكل المناسب». وقال مسؤول في البيت الأبيض إن الولايات المتحدة «ستتواصل قريباً مع موسكو بصدد المقترحات»، وأضاف: «نجري محادثات مع الحلفاء والشركاء الأوروبيين، وسنكون على اتصال بالحكومة الروسية حول الخطوات المقبلة قريباً». وكذلك عرض الأمين العام لحلف الأطلسي ينس ستولتنبرج العمل مع موسكو «لبناء ثقة جديدة بينهما إذا ساعدت في تخفيف التوترات مع أوكرانيا».
وقال إن أي «حوار مع موسكو سيحتاج أيضاً إلى معالجة مخاوف «الناتو» بشأن تصرفات روسيا، وأن يستند إلى المبادئ والوثائق الأساسية للأمن الأوروبي، وأن يتم بالتشاور مع شركاء «الناتو» الأوروبيين».
هذا يعني أن الباب بات مفتوحاً للحوار، وأن ما يحتاج إليه هو اتفاق الحلفاء الأوروبيين على موقف موحد، وهذا ما تعمل عليه الولايات المتحدة في اتصالاتها مع الزعماء الأوروبيين.
المطلوب هو توفير ضمانات أمنية متبادلة بين روسيا من جهة، وأوكرانيا والحلفاء الأوروبيين والولايات المتحدة من جهة ثانية، وهذا لن يتحقق إلا من خلال الحوار الذي يُبدي الجميع استعدادهم له.