الرئيسية / مقالات رأي / القوة العسكرية في العلاقات الدولية

القوة العسكرية في العلاقات الدولية

بقلم: محمد خليفة – صحيفة “الخليج”

الشرق اليوم – إن التغيرات التي حدثت للانتماءات السياسية والفكرية في الولايات المتحدة سواء لليمين أو الليبرالية الراديكالية والإيديولوجية، تلك التغيرات لم تطرأ فجأة، ولكن منذ عهد الرئيس الأسبق نيكسون بدت شؤون الحياة العسكرية بكل توجهاتها تنحو منحى آخر. وعندما نتأمل ما قاله رئيس الولايات المتحدة الأسبق نيكسون: «لنتذكر أننا موجودون اليوم في العالم لنصنع التاريخ لا لننسى الماضي ونعطيه ظهورنا، بل لنسير منطلقين إلى الأمام، فاتحين للمستقبل آفاقاً جديدة، إننا لسنا ركاباً في قطار التاريخ، وإنما نحن سائقو هذا القطار وقادة ركابه، ولدينا فرصة لنشكل قرناً أمريكياً، وإن المستقبل ملك أيدينا». 

إيماناً بهذه المقولة يقود الرئيس الحالي جو بايدن التحالف في مواجهة الأقطاب العالمية الأخرى (روسيا، والصين)، فالولايات المتحدة وحدها، وكذلك أوروبا وحدها، لا يمكن لأيّ منهما منفرداً أن يتولى أعباء مهمة المواجهة الكبرى، بل يجب أن تتضافر جهود الطرفين معاً، وأن يعودا إلى المشاركة من أجل الظهور بمظهر الجبهة الواحدة التي لا تتزحزح، والتي تقدم إشارات واضحة لمن يهمه الأمر، بأن عليه أن ينتبه لأن العالم ليس له وحده، بل هناك آخرون موجودون ومستعدون للقتال في سبيل تأمين وجودهم كأقطاب دولية دائمة.

وفي هذا الخصوص فقد نظمت القوات البحرية الفرنسية، في 29 نوفمبر(تشرين الثاني)، مناورات بحرية ضخمة قبالة جزيرة «كورسيكا»، ضمن تمرين عطارد «بولاريس21» الذي استمر حتى 3 ديسمبر(كانون الأول). وشارك في هذه المناورات ستة آلاف عسكري من ست دول حليفة هي: الولايات المتحدة وبريطانيا وإيطاليا وإسبانيا واليونان وفرنسا. وقال قائد العمليات الأدميرال الفرنسي إيمانويل سالار، إن التدريب يستهدف تحقيق «التكامل مع البيئة الدولية الحالية التي تطبعها توترات دولية، خصوصاً على طول السواحل السورية شرق المتوسط، أو شمال شرق أوروبا على جانب بيلا روسيا».

ورغم أن دولة أوروبية كبيرة كألمانيا، لم تشارك في هذه المناورة، لكن ذلك لا يُعد دليلاً على أنها ليست ضمن هذا التحالف، فالدول المشاركة هي مجرد عينة لمجمل التحالف الذي يشمل: الولايات المتحدة وكندا ودول الاتحاد الأوروبي السبع والعشرين، وتركيا، واستراليا واليابان وكوريا الجنوبية، وبعض الدول الأخرى التي قد تنضم إلى هذا التحالف إذا نشبت المواجهة الكبرى. وبالتالي فالتحالف الغربي يكتسح غالبية مناطق العالم، وفي المقابل، هناك التحالف الراسخ بين روسيا والصين بالإضافة إلى مجموعة دول آسيا الوسطى «كازاخستان، وطاجيكستان، قرغيزستان، وأوزبكستان»، وهي التي تشكل مع كل من روسيا والصين ما يسمى «مجموعة شنغهاي». بالإضافة إلى بعض الدول الأخرى التي قد تعلن انضمامها إلى هذا الحلف عند المواجهة الكبرى. وفي الحقيقة أن القطب الشرقي يعلو في الأرض لأسباب متعددة أهمها: ضعف اقتصاد الولايات المتحدة، وضعف اقتصاد حلفائها الأوروبيين، باستثناء ألمانيا، في الوقت الذي يزدهر فيه اقتصاد الصين، وتغزو البضائع الصينية المختلفة أسواق العالم. وأيضاً فإن روسيا أثبتت قدرتها في أن تكون فاعلاً رئيسياً في الاقتصاد العالمي من خلال ما تحوزه من ثروات باطنية هائلة، ولا سيما الغاز الطبيعي الذي تحول إلى ذهب حقيقي في ظل الحاجة الدولية المتزايدة إليه. 

ورغم أن هناك علاقات تبادل اقتصادي كبيرة اليوم بين دول المعسكرين، لكن ذلك لا يمنع أبداً، في اللحظة الحاسمة، أن يحدث اصطفاف بين دول كل معسكر على حدة، وهناك ملفات دولية متعددة قد يؤدي كل منها إلى اندلاع حرب عالمية واسعة، لعل أهمها ملف أوكرانيا، فروسيا لن تترك أوكرانيا لتكون شوكة في ظهرها، وأوكرانيا لن تكون أبداً كسابق عهدها تابعة لروسيا، ولن تخضع لإملاءاتها. ولما كانت روسيا دولة عظمى، فإن أية حرب قد تحدث بين الدولتين ستكون نتيجتها لصالح روسيا، وهذا ما لا تريده دول الغرب التي ستتدخل لحماية أوكرانيا، وعند ذلك ستحدث المواجهة مع روسيا.

والملف الثاني الذي قد يشعل مواجهة كبرى هو ملف تايوان، وإصرار الصين على استعادتها وضمها إليها، ولو كان ذلك بالحرب، ولن تقبل الولايات المتحدة بخسارة تايوان أبداً ما قد يؤدي إلى حدوث مواجهة دولية كبرى. ورغم أن الهجمة الغربية الحالية موجهة ضد الصين، لكن قد يكون ذلك للتمويه على ما يحضّر في الخفاء ضد روسيا، سواء ما يتعلق بأسطولها في البحرين المتوسط والأسود، أو ما يتعلق بحشودها الضخمة على طول الحدود مع أوكرانيا.

شاهد أيضاً

مع ترمب… هل العالم أكثر استقراراً؟

العربية- محمد الرميحي الشرق اليوم– الكثير من التحليل السياسي يرى أن السيد دونالد ترمب قد …