بقلم: حافظ البرغوثي – صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – لم أشهد توزيعاً لتقويم أو روزنامات للعام الجديد حتى الآن، ربما لأن الكثيرين باتوا يخشون الأسوأ منذ جائحة كورونا. فالعام الحالي كان أسوأ من سابقه. وها نحن على عتبة عام 22 الذي ستضع خلاله ثلاث أزمات دولية ثقلها عليه سلباً أو إيجاباً. ففي غياب اللغة المشتركة بين الدول الكبرى ذات المصالح المتضاربة يبدو أن الأزمات الثلاث ستستفحل. وهي على التوالي الأزمة الصينية الأمريكية حول تايوان والمحيط الهادئ والأزمة الروسية مع حلف الناتو حول أوكرانيا، ثم أزمة النووي الإيراني مع الغرب يضاف إليها الأزمة المستمرة لجائحة كورونا.
الأزمات الثلاث مترابطة وتنذر بحرب كونية نووية لا تقتصر على أطرافها؛ بل قد تشمل العالم كله. ولعل تطور إحداها إلى حرب سيدحرجها لطفرة جديدة متحورة إلى فيروس نووي يشمل الأزمات الثلاث. فالأزمة الروسية مع حلف الناتو أخذت بالتدهور في غياب حلول وسطية وتمترس كل طرف بموقفه. فروسيا ترفض انضمام أوكرانيا إلى الحلف إلا مقابل ضمانات بعدم التوسع، وهو ما يرفضه حلف الناتو حتى الآن، بينما يعتبر الروس ذلك تنصلاً من تعهدات سابقة، وكانوا اتهموا الرئيس الأوكراني بالتراجع عن انفتاحه للحوار معهم لحل أزمة دونباس.
وكانت قمة بوتين بايدن، أعطت أملاً في تبريد الأزمة، لكنها تعقدت بعد أن اتهمت روسيا دول الحلف بشحن المزيد من الأسلحة إلى أوكرانيا ومنحها مساعدات سخية، إضافة إلى الحشود البحرية في البحر الأسود، فحشدت روسيا المزيد من القوات اعتبرتها أوكرانيا مرحلة متقدمة للغزو. واستبعد المحللون أن تمنح الولايات المتحدة لروسيا ضمانات بعدم التوسع شرقاً لأن ذلك يستوجب موافقة بالإجماع من أعضاء الحلف وهو أمر معقد. وهناك من يؤكد طبقاً للرواية الأوكرانية أن روسيا تستعد لهجوم شتوي. أي أن روسيا ستقتطع إقليم دونباس وتنشر قواتها هناك مثلما حدث في جورجيا؛ حيث ما زال الجيش الروسي يرابط في اوسيتيا وابخازيا.
كما أن روسيا تعرف كيف تستثمر الاهتمام الأمريكي البريطاني بالصين، لذلك فإن إشعال جبهة أوكرانيا لن يؤثر كثيراً فيها، كما لم تتأثر روسيا كثيراً بالعقوبات الأمريكية والغربية عليها عندما فرضت سيطرتها على شبه جزيرة القرم وعادت لتكدس احتياطي من العملات الصعبة بمقدار 700 مليار دولار.
لكن على الرغم من الحشود العلنية والسرية الروسية على الجبهة لا يبدو أن الحرب ستشتعل؛ إذ يمكن أن يكون ذلك رسالة لترويض الرئاسة الأوكرانية وإعادتها إلى الحوار بعيداً عن عرين الناتو. وهو الأسلوب نفسه في الأزمة الأخرى، أي أزمة النووي الإيراني، ففي المفاوضات السابقة التي أسفرت عن الاتفاق النووي الذي انسحب منه الرئيس السابق ترامب طلب الأمريكيون في عهد أوباما من إسرائيل أثناء المفاوضات المبالغة في التصريحات المتطرفة والاستعداد لشن هجوم مدمر على المنشآت النووية الإيرانية بهدف إقناع إيران بالاتفاق لاحقاً. وحالياً نقرأ يومياً تصريحات متلاحقة سياسية وعسكرية تشمل كل الوزراء وقادة الجيش والموساد عن الاستعداد لعملية عسكرية ضد إيران؛ بل ذهب الإسرائيليون إلى أبعد من ذلك وخصصوا ميزانية لشراء معدات وأسلحة ونشروا قائمة بالأسلحة الفتاكة التي يعتزمون شراءها وهي استعدادات تحتاج إلى عدة سنوات لاستكمالها.
أما الأزمة الصينية الأمريكية فهي أيضاً مرشحة للتطور، وهي الأخطر لأن العقيدة الصينية بدأت في التغير من المد الاقتصادي غير المسلح إلى المد العسكري؛ حيث عمدت بعد الإعلان عن الحلف الأمريكي الأسترالي البريطاني إلى إجراء مناورات مشتركة مع باكستان وإيران، كما تسعى إلى بناء قاعدة على الأطلسي في غينيا الاستوائية وتطوير أسلحتها بصمت ومنها الصواريخ الفرط صوتية، كذلك أجرت مناورات مشتركة مع روسيا.
إن عقيدة الصين ربما تغيرت بعد المؤتمر الأخير للحزب الحاكم وباتت أكثر حساسية تجاه تايوان وتجاه التحالف الأمريكي الأسترالي البريطاني الموجه ضدها. إننا أمام معضلات نووية إن حلت سلماً يبقى منها فيروس كورونا الذي لا حل له حتى الآن.