افتتاحية صحيفة “الخليج”
الشرق اليوم – لم يتبق غير أسبوع واحد بالتمام على موعد الانتخابات الليبية المقررة يوم 24 ديسمبر، ولا شيء يوحي بأن هذا الاستحقاق سيجري في موعده، أو على الأقل في ظروف طبيعية، لا سيما بعد أن تدهور الوضع الأمني بصورة مفاجئة في طرابلس وأطل خطر الميليشيات مجدداً لمنع الليبيين من الإدلاء بأصواتهم، بعدما تحركت إحدى الميليشيات وهددت بغلق مؤسسات الدولة.
على مدى أكثر من عام ظلت أسطوانة «الانتخابات الليبية في موعدها» تدور على مختلف الألسنة على مدار الساعة. ومن أجلها انعقدت أكثر من قمة ومؤتمر، وعينت الأمم المتحدة والدول الكبرى مبعوثين خاصين، واستحدثت إدارات في حكوماتها أو سفاراتها لهذا الشأن، ولكن عندما اقترب الموعد المتفق عليه بدت الأوضاع مغايرة، وأثبتت أن التفاؤل الدولي الذي ساد لأكثر من عام، كان مبالغاً فيه، ولم يكن واقعياً أيضاً، ربما لأن هناك تسرعاً ورغبة دولية متعددة الأجندات حاولت أن تجعل من هذا الاقتراع أمراً واقعاً على الجميع الانصياع له. ومن أجل ذلك تشكّل مجلس رئاسي جديد برئاسة محمد المنفي، وولدت حكومة وحدة وطنية يقودها عبد الحميد الدبيبة، جمعت ما كان لدى حكومتي «الوفاق» و«المؤقتة» السابقتين من ملفات ومهمات، بينما السلطة الفعلية ظلت خارج أطر الحكومة، لأن الميليشيات التي تسيطر على أغلب المدن، ظلت محتفظة بسلاحها ونفوذها، وزعماؤها لا يأبهون بالحكومة ولا بالشعب الليبي، ولا بالتهديدات الدولية بفرض عقوبات على من يعرقلون الانتخابات، لأن أغلب أولئك «أمراء حرب» لا يمتلك جلهم أسماء معلومة ولا أرصدة في الخارج يمكن تجميدها أو مصادرتها، وهو ما يجعل الوضع أشبه بالعقدة الملغزة، التي لا يمكن حلها بسهولة.
منذ 2011، كان خطر الميليشيات والمرتزقة جاثماً بقوة على ليبيا ومستقبلها، ولكن لا أحد اهتم بالأمر، لأن هدف من أذكوا تلك الحرب كان إسقاط نظام الراحل معمر القذافي، بأي ثمن أو أكاذيب، دون أن يكون هناك بديل لليوم التالي. وهذا اليوم هو ما تعيشه تلك البلاد منذ سقوط طرابلس إلى الآن، وكانت خطيئة استراتيجية اعترف بها مرتكبوها لاحقاً، بعد أن خربت وطغى عليها الفساد والجريمة والإرهاب. ومع توالي النكبات على ليبيا والإخفاقات في الإصلاح، يبدو الجميع عاجزين وليس بأيديهم شيء يفعلونه، وأقصى ما يمكن فعله هو الدعوة إلى مؤتمر طارئ أو جلسة عاجلة تسفر عن بيان تنديد يأخذ منذ لحظة صدوره مكانه في الأرشيف.
الوضع الليبي صعب، والانتخابات المأمولة لن تُجرى، وإذا جرت ستسجل إخفاقاً دولياً جديداً، والسبب لا يتعلق بإرادة من يتبنونها، بل بمن يعملون على إفشالها حتى لا تقوم للدولة الليبية قائمة. فقبل أسبوع من ذلك الاستحقاق لم تظهر الحملات الدعائية ولا استقبال المراقبين الأجانب، ولم يتم نشر القائمة النهائية للمرشحين، سواء للرئاسية أو للبرلمانية، في حين عادت دعاية الميليشيات بقوة، فمقر رئاسة الوزراء محاصر ومحاور العاصمة تحت سيطرة كتائب غير نظامية، والأمل المعقود على 24 ديسمبر لم يعد كذلك، لأن المشكلة أعظم من الوصف ولن تحلها الدبلوماسية لأنها أمنية بالأساس وخطيئة عمرها عشر سنوات.