By: Charles Lane
الشرق اليوم – تواجه الولايات المتحدة وضعا جيوسياسيا غير مسبوق يتمثل في هيمنة روسيا والصين على مساحة من أراضي منطقة أوراسيا، وهي كتلة أرضية مساحتها 54 مليون متر مربع مكونة من قارتي أوروبا وآسيا.
إن روسيا والصين دولتان نوويتان تتمتعان باستقرار نسبي، وتضمران عداءً للولايات المتحدة. كما أن كلتيهما تستخدمان حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي بتنسيق بينهما في كثير من الأحيان.
إن تعاقب الأيديولوجيات الفاشية والشيوعية والقومية والإمبريالية الواحدة تلو الأخرى طوال القرن الماضي تسبب في تقويض السياسة العالمية وأشعل حروبا.
أما في وقتنا الحاضر فإن الأيديولوجية الغالبة فهي النزعة الوحدوية التوسعية irredentism، وهي “سياسة وطنية تدعو للاستحواذ على منطقة ما في دولة أخرى بذريعة وحدة اللغة والثقافة والوشائج العرقية أو العنصرية”.
إن هذا التعريف وصف عادل للسياسة الوطنية التي تتبناها روسيا والصين تجاه كل من أوكرانيا وتايوان على التوالي. فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين يحشد قواته على الحدود مع أوكرانيا مدعياً بصوت عالٍ أن للشعب الروسي حقوقا تاريخية ومصالح في تلك الدولة.
أما الصين فتعكف على بناء قدرات بحرية وجوية تأهبا، كما هو واضح، “لاسترداد” جزيرة تايوان التي تعدها بكين محافظة صينية متمردة.
ويكمن التحدي الذي يواجه إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن وحلفاء أميركا في كيفية تجنب حرب دون السماح لروسيا أو الصين بتحقيق أحلامهما الوحدودية على حساب الآخرين.
إن تفادي اندلاع حرب لن يكون سهلا بالنظر إلى محاولات سابقة لكبح النزعة الوحدوية تلك، كما أن الحركة التحررية الوحدوية الحديثة نشأت في إيطاليا في أواسط القرن الـ19.
إن أحد الأسباب انضمام إيطاليا إلى قوات الحلفاء إبان الحرب العالمية الأولى كان رغبتها في استعادة وتوسيع الأراضي الإيطالية في ما عُرف حينها بمصطلح “إيطاليا غير المستردة”. وكان الاعتقاد أن إيطاليا تعرضت لخدعة في هذه القضية في معاهدة فرساي التي أسدلت الستار من جانب القانونِ الدولي على أحداث الحرب العالمية الأولى، مما ساعد في بروز الحركة الفاشية بقيادة بينيتو موسوليني.
ثم إن مطالب الزعيم الألماني النازي أدولف هتلر بضم أراضٍ بدءا من إقليم السوديت الواقع تحت سيطرة التشيك والذي يقطنه مواطنون ألمان وحتى مدينة دانزيغ الحرة شمالي بولندا على سواحل بحر البلطيق، كانت هي الأخرى نتاجا لمعاهدة فرساي وإن بطريقة مختلفة. وبدورها، كانت تلك المطالب أحد الأسباب التي أدت إلى نشوب الحرب العالمية الثانية.
ومن بين النزاعات التي أججتها النعرة الوحدوية وعكرت صفو السلام عقب الحرب العالمية الثانية تلك الحرب التي اندلعت في عامي 1977-1978 بين الصومال وإثيوبيا عندما غزت الأولى الثانية للاستيلاء على إقليم أوغادين في إثيوبيا الذي يقطنه سكان من عرقية صومالية.
كذلك الغزو العراقي للكويت في أغسطس/آب 1990 إثر نزاع على موارد نفطية. وبرر الرئيس العراقي آنذاك صدام حسين الغزو بتبعية الكويت للعراق.
يمكننا القول إن الأمر عادة ما يتطلب هزيمة عسكرية ساحقة لمعالجة هذه النزعة الوحدوية التوسعية. فقد تخلت كل من ألمانيا وإيطاليا نهائيا عن ضم الأراضي التي كانتا تطالبان بها، وذلك في التعهدات التي التزمتا بها في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية.
وبدلا من التعامل مباشرة مع كييف، يحاول بوتين اليوم استدراج الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى مزيد من المحادثات بشأن شبه جزيرة القرم وإقليم دونباس في شرقي أوكرانيا بعد أن “ابتلعهما” بالفعل.
إن محاولة بوتين تلك “فخ”، فكلما ناقشت واشنطن وحلفاؤها مطالب الرئيس الروسي الوحدوية التوسعية، اكتسبت تلك المطالب مصداقية وإن لم يكن ذلك قصدهم. والحقيقة السياسية الفجة أن إدارة بايدن قد لا يكون لديها خيار آخر. وقد يصدق الأمر نفسه في آسيا إذا تحركت الصين بجدية للاستيلاء على تايوان.
ترجمة: الجزيرة