الرئيسية / مقالات رأي / ضباب الحرب

ضباب الحرب

افتتاحية صحيفة “الخليج”

الشرق اليوم – فيما تشهد العلاقات بين روسيا من جهة، وأوكرانيا والدول الغربية من جهة أخرى، توترات غير مسبوقة، وسط اتهامات وتهديدات وحشود عسكرية، بما يوحي بأن الحرب باتت محتومة، إلا أن المتأمل لتفاصيل هذه المواقف المقلقة لا بد أن يدرك أن ما يجري هو مجرد ضباب للحرب يستخدم لتحقيق هدف سياسي، على الرغم من أن المفكر الاستراتيجي النمساوي كارل فون كلاوزفيتز يرى أن «الحرب ليست ظاهرة مستقلة، ولكنها امتداد للسياسة بطرق مختلفة، وأن الغرض السياسي هو الهدف من كل حرب، ولا يمكن أبداً اعتبار الوسائل بمعزل عن أغراضها».

إن مفهوم «ساحة المعركة» من حيث الجيوش والإمكانات العسكرية، والخطط، يختلف عن مفهوم «فضاء المعركة». صحيح أن هناك ساحة معركة على طول حدود روسيا الغربية مع الدول الأوروبية الشرقية التي تتموضع فيها قوات أطلسية، لكن هذه الساحة ليست في حالة تأهب واستعداد، وإنما هناك فضاء معركة تدور رحاها في شكل معارك على المستوى النفسي والإعلامي والاقتصادي للتأثير في الخصم، وإرغامه على تقديم تنازلات تخدم الحرب العسكرية من دون خوض غمارها. 

هذا ما يحدث الآن بين روسيا والدول الغربية، في إطار لعبة عض الأصابع لانتزاع تنازلات تخدم الهدف الاستراتيجي لكل منهما؛ لأن الجانبين يدركان تماماً الكلفة الباهظة للانزلاق إلى «ميدان المعركة»، بدلاً من البقاء في فضائها.

القمة الافتراضية التي جرت مؤخراً بين الرئيسين الأمريكي جو بايدن، والروسي فلاديمير بوتين، كانت في هذا الإطار؛ أي البقاء خارج «ميدان المعركة» والحؤول دون تجاوزه.

التوصل إلى صيغة حل ترضي الجانبين وتزيل مخاوفهما، باتت مطلوبة، وقد سبق للعالم أن شهد أزمة مماثلة تقريباً في عام 1962 عُرفت بـ«أزمة الصواريخ» في كوبا، حيث ظل العالم طوال 13 يوماً وكأنه على شفا حرب نووية بين الاتحاد السوفييتي، والولايات المتحدة، ثم تم التوصل إلى اتفاق بين الرئيس الأمريكي جون كينيدي، والزعيم السوفييتي آنذاك خوروتشوف، وضع حداً للنزاع.

الأزمة الآن ليست بمستوى حدة وخطورة تلك الأزمة، والصراع بين الجانبين ليس صراعاً أيديولوجياً، وإنما هو صراع نفوذ يتعلق بالأمن القومي وبمصالح استراتيجية. فروسيا التي يقلقها توسع حلف الأطلسي، وتزايد الوجود العسكري الغربي في أوكرانيا، وبعض دول أوروبا الشرقية، إضافة إلى محاولة تأليب هذه الدول التي كانت جزءاً من مجالها الحيوي، ضدها، وجدت نفسها تتعرض لحصار عسكري مرادف للحصار الاقتصادي الذي تعانيه.

لهذا كله، تطلب ضمانات موثقة من الدول الغربية بعدم التوسع شرقاً، التزاماً بتعهدات كان قطعها الرئيس الأمريكي الأسبق ريجان ووزير الخارجية جيمس بيكر للرئيس السوفييتي جورباتشوف ووزير الخارجية شيفاردنازة.

لقد بات هذا المطلب الروسي ملحاً، وقد طرحه الرئيس بوتين مؤخراً على زعماء الولايات المتحدة وفرنسا وفنلندا وبريطانيا، في مسعى منه لتجنب مواجهة محتملة، مقترحاً مفاوضات بهذا الخصوص، مؤكداً أن الكرملين لديه مشروع تسوية يؤدي إلى حل.

هل يتم التوصل إلى تسوية والخروج من حالة «ضباب الحرب»؟

شاهد أيضاً

حكومة نتنياهو..تأزم داخلي وتجاذب خارجي

العربية- طارق فهمي الشرق اليوم– تواجه الحكومة الإسرائيلية أزمة جديدة متعلقة بتسريب معلومات أمنية تورط …