بقلم: عماد الدين الجبوري – اندبندنت عربية
الشرق اليوم- في تصريح جديد شديد اللهجة لنائب قائد الحرس الثوري الإيراني، علي فدوي، أكد فيه أن بلاده أعدت العدة لتدمير إسرائيل إذا أقدمت على مهاجمة منشآت إيرانية، وذلك رداً على تسريب الجيش الإسرائيلي للإعلام أنه سيباشر في القريب سلسلة تدريبات على تنفيذ هجمات ضد إيران. جاء هذا الزعيق مع توجه زيارة وزير الدفاع الإسرائيلي، بيني غانتس إلى الولايات المتحدة الأميركية لإجراء محادثات وصفت بأنها “على أعلى درجة من الأهمية الاستراتيجية”. إذ كشفت مصادر سياسية في عاصمة كلا البلدين واشنطن وتل أبيب، أن غانتس سيجري مداولات حول كيفية الإعداد لعمليات عسكرية مشتركة للجيشين الأميركي والإسرائيلي.
وتفيد تقارير إعلامية من واشنطن، بأن غانتس أطلع المسؤولين الأميركيين على الجدول الزمني الذي تحتاج إليه إسرائيل من أجل شنّ هجوم على إيران لتعطيل برنامجها النووي.
عموماً، ستبدأ هذه السلسلة التدريبية الهجومية على نطاق واسع بمشاركة عشرات الطائرات المقاتلة في سلاح الجو الإسرائيلي في الربيع المقبل، وسيتم خلالها التدريب على التحليق المنخفض فوق البحر الأبيض المتوسط باتجاه الغرب، إلى مسافات تحاكي تنفيذ هجمات داخل إيران. وفي هذا الصدد، أشار رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، أفيف كوخافي، في معرض كلامه قبالة لجنة شؤون الخارجية والأمن في الكنيست، بتاريخ 9 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، إلى أن “الجيش يكثف استعداداته لهجوم محتمل على المنشآت النووية الإيرانية”، وأنه على الجيش الإسرائيلي أن “يُسرع من التخطيط العملياتي والاستعداد للتعامل مع إيران، والتهديد النووي العسكري”.
ووفقاً لمصادر مقربة من غانتس، قالت إن كلام كوخافي يُعدّ أقل حدة ومعتدل في الحديث عن النووي الإيراني، بالمقارنة مع تصريحات متشددة لزملائه في الحكومة، إذ يقول إن إسرائيل لا تعارض التوصل إلى اتفاق نووي جديد بين الدول الكبرى وإيران، لكنه ينبغي أن يكون اتفاقاً أفضل من سابقه ويتضمن عناصر أخرى مثل تقييد تطوير الصواريخ الباليستية، ووقف مشروع الهيمنة الإقليمية، والكف عن نشر ميليشيات مسلحة في دول المنطقة، وعن تزويد هذه الميليشيات بأسلحة متطورة مثل الطائرات الانتحارية المسيّرة، ووقف النشاط الإرهابي في دول المنطقة والعالم.
في كل حال، نتيجة تصلب إيران في محادثاتها النووية، وهي بذلك لا تساعد على إحراز تقدم يفضي إلى اتفاق جديد، فإن غانتس حمل معه مقترحات عدة تداولها مع وزير الخارجية أنتوني بلينكن، ووزير الدفاع لويد أوستن، من أجل ممارسة الضغط على إيران، أولها التلويح بالتهديد العسكري، وذلك في القيام بعمليات عسكرية مشتركة، وطلبه برفع مستوى الأسلحة الإسرائيلية الهجومية “لتكون قادرة على ضرب إيران وشل حركتها الهجومية العدوانية”، وطرحه “تحذيرات ودية” للجانب الأميركي، أوضح فيها بالمعلومات والوثائق سبب المخاوف التي يبرزها الخطاب الإسرائيلي، بأن إيران باتت قريبة من أن تتحول إلى “دولة عتبة” نووية.
وفي بيان صادر عن البيت الأبيض في 9 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، جاء فيه أن “الرئيس الأميركي جو بايدن باشر التحضيرات في حال فشل السبل الدبلوماسية في الملف النووي الإيراني”. وأوضح أن “بايدن ملتزم بضمان عدم امتلاك إيران لسلاح نووي”. وإذا فشلت الدبلوماسية “ستتخذ الولايات المتحدة إجراءات أخرى ضد إيران”. والمقصود بالإجراءات البايدنية هي عقوبات اقتصادية فقط، وذلك في “فرض قيود على القطاعات المدرة للدخل في إيران”.
وتحدث أخيراً القائد العسكري الأميركي السابق ديفيد دي روش، الأستاذ المساعد حالياً في مركز الشرق الأدنى وجنوب آسيا للدراسات الاستراتيجية في جامعة الدفاع الوطني التابعة للبنتاغون، بشأن العمل العسكري ضد إيران، قائلاً: “إن إسرائيل، في تقديري، غير قادرة على تدمير البرنامج النووي الإيراني”. وأضاف “من المحتمل أن تشن ضربة عسكرية تقليدية داخل إيران، على الرغم من أن ذلك سيكون محدوداً جداً وذا مخاطر عالية جداً”. وأن “واشنطن تسعى إلى تجنب العمل العسكري مع إيران”.
والذي يهمنا من هذه التجاذبات المسرحية بين إيران وإسرائيل، أنها استعراضات هدفها الساحة العربية، فالمشروع الإيراني ما كان له أن يتمدد في بعض الدول العربية لولا التوافق مع السياسة الأميركية ذاتها، خصوصاً في العراق بوابة العرب الشرقية. كما أن إسرائيل لم تحقق هذا التهافت السريع لتطوير العلاقات مع أكثر من دولة عربية لولا تهديدات الخطر الإيراني.
مع أن النظام الإيراني منذ أكثر من 40 سنة يدعي وقوفه مع القضية الفلسطينية، وتبنى “يوم القدس العالمي” المزعوم، لكنه لم يرسل إيرانياً واحداً لتنفيذ عملية قتالية واحدة داخل إسرائيل، ولم يطلق من ترسانته الكبيرة صاروخاً واحداً لضربها في عقر دارها، بل جل عملياته التخريبية والإرهابية كانت، وما زالت، تجري على الأراضي العربية وحسب، حتى أن نسبة ما خسره العرب في مجموع حروبهم ضد إسرائيل لا تشكل واحداً في المئة مما فعله التدمير الإيراني بشرياً واقتصادياً وسياسياً، لا سيما في العراق وسوريا ولبنان واليمن. وبذلك، يقدم هذا النظام خدمة خطيرة لإسرائيل في المنطقة.
أما ضربات إسرائيل للمواقع والقواعد العسكرية الإيرانية وللفصائل المسلحة التابعة لها في سوريا، فذلك لتجاوزها الخطوط الحمراء المرسومة لها، إنها قريبة من صورة التقاء المصالح بين المتضادين، كما مع الشيوعية والرأسمالية ضد النازية والفاشية في الحرب العالمية الثانية (1941-1945)، إذ ما إن لاحت تباشير النصر لدول الحلفاء على دول المحور، حتى اشتد التجاذب بين الشيوعية والرأسمالية على المناطق المهمة بالنسبة لهما. فالأمر، بشكل أو آخر، على نحو مماثل بين إيران الصفوية وإسرائيل الصهيونية في قضم الأراضي والتمدد في المناطق العربية، فهما يلتقيان على هدف واحد بإضعاف العرب، ويختلفان في طريقة التنفيذ الميداني والتوجه السياسي.
سيأتي الربيع وتبدأ فيه تلك التدريبات العسكرية المزعومة، وحتى ذلك الحين سيتصاعد الضجيج الإعلامي بين الطرفين الإسرائيلي والإيراني، ولكن لن يحدث ذلك الهجوم الجوي الموعود على المفاعلات النووية الإيرانية، ليس خوفاً منها ولا وجلاً من رد فعلها، بل لأن الرحة فارغة من الحنطة فلا تنتج لنا طحيناً يمكن معاينته وتصديقه، إنها مجرد حلقة جديدة في سلسلة طويلة ممتدة بينهما عبر المشرق العربي، الذي تمددت فيه إيران واقعياً وإسرائيل سياسياً تحت نظر الراعي الأميركي.