بقلم: مالك عثامنة – الاتحاد الإماراتية
الشرق اليوم- مشكلتنا في عالمنا العربي – عموماً- أننا لا نزال أسرى مفاهيم قديمة تحكم حاضرنا فنفشل في تخطيط مستقبلنا، والمفاهيم – كما نحن- عصية على أن تتماهى مع العالم من حولنا.
هناك مقولة منسوبة للفيلسوف «شوبنهور» مفادها أنه في التاريخ فقط تتمكن الأمة من وعي ذاتها وعياً تاماً، وهي مقولة صائبة ما دامت في حدود معنى التعلم من الماضي ضمن سياق التطور المستمر، لا الجمود والتوقف عند تلك النقطة البعيدة بينما العالم بكل إنسانيته يسير إلى الأمام، وفي عصرنا الحديث لم يعد العالم يسير وحسب، بل يركض بتسارع نحو آفاق معرفية جديدة لا تتناسب مع كل ما هو مجهول توقفنا عنده.
كنت كتبت كثيراً عن المفاهيم التي قمنا بصياغتها كشعارات حفظناها جيلاً بعد جيل، وبقينا نرددها ببلاهة ببغائية مستمرة حتى صارت قوانين حياة راسخة في وجداننا، ومن ذلك مثلاً لا حصراً ما قرأته مؤخراً وبكثرة عند جنرالات التواصل الاجتماعي في غرف عمليات أركانهم الثورية الافتراضية بقولهم: إن الشباب العربي مشاريع استشهاد.
هذا شعار بائس وعدمي وقاتل.
لا أحد في عالمنا يجب أن يكون مشروع موت، بل الجميع مطالب أن يكون مشروع حياة، وهذا مشروع يفترض الوعي الذي لا يمكن أن يكون إلا بالمعرفة الحقيقية القائمة على العلوم لا الدجل والشعوذة والأساطير.
حتى مفهوم «الاستشهاد» صار مبتذلاً على ألسننا وصار لقب الشهيد مطلقاً على عواهنه بانفلات لا ضوابط فيه، وشخصياً لا أحب أن استخدم لقب «شهيد» على أي إنسان، فهو مفهوم معلق على ذمة الغيب ومرتهن في علم الله وحده، لكن المفهوم يحاول البعض تحويله إلى حقنة تخدير عالية المفعول، أول تنظيم منهجي قام بذلك تاريخياً كان على يد المأفون «حسن الصباح» وتنظيمه الدموي المرعب «الحشاشين» والذي كان الأب الشرعي لكل تنظيمات التطرف والإرهاب التي نعاني مأفونيها اليوم.
طبعاً الوصفة سهلة ما دام علاج البؤس والفقر يكون بترتيب مصفوفة خلود فردوسية باسم الله نفسه، ووضعها في خانة المقدس لتكون عصية على النقد والانتقاد، فيتم تقديمها للجاهل الغارق في بؤسه فيتحول إلى قنبلة بشرية يرى في الدنيا مشروع موت مسبق الصنع!
الحل يكمن في المعرفة والعلم، ومشاريع التنمية الاقتصادية والاجتماعية لا تقوم على خزعبلات، بل على معارف وخطط علمية ومنهجية توزع الموارد ضمن أسس ومعايير أولها الكفاءة في الإنتاج، وهذا الإنتاج هو نفسه الترجمة الحقيقية لإعمار الأرض التي تم تكليف الإنسان بأن يعمرها، لا أن ينهيها وينقرض عن الوجود فيها.
هذا واحد من مفاهيم ضللت تطورنا في العالم العربي، فدخلنا متاهة الأزمات التي لا تنتهي بحثاً عن مشروع هو في محصلته عدمي وعبثي.
المفاهيم في سياق جمودنا المعرفي كثيرة، وهي مفاهيم مربوطة بإحكام في الماضي، والماضي نفسه نقرأه عبر تاريخ مكتوب بعناية لتمجيد ذات المفاهيم الجامدة.
نعم، نحن محكومون بالتاريخ الذي لم نتدبره لاجتراح الوعي المطلوب، بل رسمنا حول أنفسنا تلك الدائرة الطباشيرية وقبعنا داخل الدائرة متوهمين أن حدودها هي ذلك الطبشور. آن لنا أن نكون محكومين بالأمل.