بقلم: د. محمد العسومي – صحيفة الاتحاد
الشرق اليوم- جاءت الجولة الخليجية للأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي قبيل قمة مجلس التعاون التي انعقدت الثلاثاء الماضي، مما طرح تساؤلات مهمة، يأتي في مقدمتها التساؤل الخاص بارتباط الجولة بالقمة وبمدى إمكانية تحقيق نقلة نوعية في العمل الخليجي المشترك.
هذان الحدثان يحتاجان إلى قراءة متأنية، خصوصاً وأنهما أعقبا تفاهمات قمة العلا العام الماضي، حيث سنركز هنا على الملف الاقتصادي لأسباب عدة؛ أولها لارتباطه بمستقبل التنمية وبمستويات المعيشة في دول المجلس، وثانيها على اعتبار أن هذا الملف كان الأكثر بروزاً في البيانات الختامية الثنائية التي صدرت.
ولنبدأ من العاصمة العمانية مسقط، حيث أُبرمت اتفاقيات للتعاون في الفرص المشتركة في مجال النفط والغاز والبتروكيماويات والطاقة النظيفة وتقنياتها والكهرباء والتبادل التجاري، على أن يقوم صندوق الاستثمارات العامة السعودي باستثمار خمسة مليارات دولار في السلطنة.
أما في العاصمة الإماراتية أبوظبي، فقد تم التأكيد على تعزيز وتطوير التعاون الاستراتيجي والتكامل الاقتصادي والتجاري والتنموي بين الجانبين ومضاعفة الاستثمارات المشتركة وزيادة التعاون في المجالات الصحية والسياحة والتنمية البشرية في قطاعي الشباب وتمكين المرأة مع التأكيد على تفعيل العمل المشترك، علماً بأن العلاقات الاستراتيجية بين الإمارات والسعودية تشمل كافة المجالات، كما تتضمن مشاريع تنموية مشتركة بآفاق مستقبلية واعدة، مثل التعاون في مجال الاستخدامات السلمية للطاقة النووية، والذكاء الاصطناعي، والتحول الرقمي، والأمن السيبراني، والصناعة والتكنلوجيا المتقدمة.
وفي قطر اتخذت قرارات لتطوير أوجه التعاون القائمة والعمل على زيادة حجم التجارة البينية والاستفادة من الفرص الاقتصادية والتجارية والصناعية، لتنويع مصادر الدخل في البلدين، والتعاون في مجال النقل الجوي والبنى التحتية، ودعم مبادرة الشرق الأوسط الأخضر بزراعة عشرة ملايين شجرة بحلول عام 2030، والتعاون على تحفيز الابتكار وتطبيق التقنيات الناشئة في قطاعات الطاقة.
وفي المنامة أُعلن عن تأسيس شركة سعودية بحرينية قابضة لقيادة الاستثمارات المشتركة وتقوية الشراكات الاقتصادية والاستثمارية، إضافة إلى مجالات الطاقة والسياحة. وأخيراً تضمنت أوجه التعاون السعودي الكويتي البنود الخاصة بتطوير العلاقات الاقتصادية، حيث وقَّعت 6 اتفاقيات بين الشركات الكويتية والسعودية لدعم الاستثمار المشترك في مجالات متعددة، كالطاقة المتجددة والمياه.
وتشير مجموع هذه الاتفاقيات إلى أن هناك توجهاً جاداً لتطوير العمل الخليجي المشترك، فأوجه التعاون التي اتُّفق بشأنها تنوعت بين دولة وأخرى، فهي متعددة وشاملة ويمكن أن تشكل أرضية جديدة للعمل الخليجي المتكامل، إذ أن كل أوجه التعاون هذه تكمل بعضها البعض الآخر بالدول الست، وهو ما يتيح التنسيق فيما بينها في المستقبل، كما أنها لم تقتصر على التعاون الحكومي فقط، وإنما شملت مشاركة القطاع الخاص وابتعدت عن الصياغات العامة إلى اتخاذ خطوات عملية مدعَّمة باستثمارات مشتركة كبيرة.
لذلك، فإن هذا المسار يمكن أن يشكّل رؤيةً خليجيةً مشتركةً، كما أنه يوحي بإمكانية بداية مرحلة جديدة للعمل الخليجي والتأسيس لسوق خليجية مشتركة ومتكاملة تجمع رؤى دول المجلس لإقامة تكتل اقتصادي قادر على التعامل مع التحديات المستجدة على المستوى العالمي، وبالأخص التحول الرقمي والتوجه نحو مصادر الطاقة المتجددة واشتداد المنافسة التجارية، وهو ما سيشكل نقلةً نوعيةً للتعاون الخليجي.
وغني عن القول أنه بالإضافة إلى هذه الجوانب الاقتصادية الأساسية المهمة، فقد اكتسب التنسيق في المجالات الأمنية والسياسية أهميةً خاصةً لمواجهة التحديات الكثيرة التي تواجه دول المجلس مجتمعةً في ظل أوضاع جيو سياسية مضطربة لا تفرّق بين دولة خليجية وأخرى، فالجميع يبحرون في قارب واحد ويواجهون مصيراً مشتركاً. وهو ما أكد عليه الأمير أثناء زيارته للمنامة عندما قال بأن “النهضة الخليجية لا بد وأن تكون جماعية وشاملة”.
وانطلاقاً من كل هذه الأهمية الاقتصادية والأمنية والسياسية والاستراتيجية، فأن أبناء دول المجلس يأملون أن يتم التأسيس لمرحلة جديدة خارج نطاق الروتين السنوي لتلبية متطلبات واحتياجات المواطن الخليجي في كافة المجالات والإسهام في تعزيز اقتصاده وأمنه واستقراره، وهو ما أكدت عليه قرارات قمة الرياض والبيان الصادر عنها.