By: Phil Thornton
الشرق اليوم- منذ الإعلان عن المتحورة “أوميكرون” المتصلة بكورونا، نشهد تقلبات في الأسواق المالية، وتوقعات باضطرابات اقتصادية، وعودة للخلافات السياسية حول تقييد سلوكيات الناس بهدف لجم انتشار تلك المتحورة.
ويشكّل ظهور المتحورة الجديدة تذكيراً بأن الموظفين والعاملين والأسر، إضافة إلى السياسيين، يتوقون إلى اليقين. لكن، ثمة درس مستقى من الأشهر الـ18 الماضية مفاده أن فيروس كورونا أدخلنا في نفق من الغموض. وجاء فرض قيود “الخطة الاحتياطية” في المملكة المتحدة الأربعاء الماضي، بمثابة تذكير آخر بالتقلبات الجارية.
ويمتلك ذلك الإجراء أثران سيكتسبان أهمية خلال الأسابيع المقبلة. يتمثل الأثر الأول في أننا نتطلب وقتاً أطول في فهم التداعيات الصحية، ناهيك عن الاقتصادية، لكل مرحلة جديدة من فيروس كورونا. وفي شكل مفهوم، يسعى كل شخص إلى حقائق يستطيع الاعتماد عليها لتبرير ثقته بوجود ضوء في نهاية ذلك النفق، خصوصاً وجود ضوء يسمح بالاحتفال بعيد الميلاد بشكل طبيعي قدر الإمكان في النصف الشمالي من الكرة الأرضية.
بالتالي، ثمة متابعة كبيرة للملاحظات المعلنة من قبل أنجيليك كوتزي، الطبيبة التي لاحظت المتحوّرة الجديدة للمرة الأولى وتترأس أيضاً “الجمعية الطبية الجنوب أفريقية”، حينما ذكرت في حديث مع “هيئة الإذاعة البريطانية” (بي بي سي) إن الأعراض المتعلقة بـ”أوميكرون” معتدلة جداً. وتبدي الجهات التي تطور اللقاحات على غرار “أسترازينيكا”، حذراً إزاء إصدارها نفياً للنفي إذ أفادت بـ”عدم وجود دليل إلى الآن” على أن اللقاحات المتوافرة لن تواصل توفير الحماية في مواجهة المتغير.
واستطراداً، يصف خبراء الاقتصاديات السلوكية الميل إلى التقاط الأدلة التي تدعم معتقداتهم الموجودة فعلياً بأنه يشكّل تحيّزاً تأكيدياً [بمعنى أن ينتقي المرء ما يؤكد الرأي الذي انحاز إليه]. وبالنسبة إلى المستثمرين، يُترجم ذلك الميل بالاعتماد على المزاعم التي تدعم موقفهم [المستثمرين] القائل، مثلاً، بأن الأسواق المالية ستتجاوز الذعر الأخير.
في المقابل، لقد قرأ المستثمرون أيضاً أن سوميا سواميناثان، كبيرة العلماء في “منظمة الصحة العالمية”، ذكرت إنه “من السابق لأوانه التوصل إلى أي استنتاجات حول فاعلية اللقاحات إزاء المتحورة أوميكرون”. إذ تشير تلك المنظمة بحذر إلى أن “من غير الواضح بعد” إذا كانت متحوّرة “أوميكرون” أكثر عدوى أو تتسبب بمرض أكثر حدة. ومن المرجح أن يستغرق فهم مستوى الحدّة التي تتسم بها المتحوّرة أوميكرون، “عدة أسابيع”.
ويتلخص الأثر الثاني في استمرار التفاوت الضخم بين الغرب وجنوب العالم على صعيد الوصول إلى اللقاحات، والتقديمات المالية اللازمة في تمويل الإجراءات المخصصة لمساعدة المواطنين والشركات المتأثرة بالفيروس وبالقيود التي تستهدف لجم انتشاره. فقد نجحت الاقتصادات المتقدمة في تطوير اللقاحات وتوزيعها على مواطنيها. وبات حوالى ثلثي المؤهلين لأخذ اللقاحات في الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة ملقحين في شكل كامل. وفي المقابل، تصل النسبة في جنوب أفريقيا إلى 25 في المئة، ولا تزيد في العالم النامي على ستة في المئة. وعلى رغم الوعود الكثيرة التي أُطلِقت في بداية الجائحة مِنْ قِبَلْ البلدان الغنية في شأن مشاركة اللقاحات مع سائر العالم، لم تحصل البلدان المتدنية الدخل إلا على 55 مليون لقاح من أصل ثمانية مليارات لقاح أُعطِيت إلى الناس في مختلف أنحاء العالم، وفق أرقام المؤسسة الخيرية “وان”.
وقد تحتم أن يكون قرار الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وحوالى 35 بلداً آخر يندرج معظمها في صفوف البلدان الغنية منع السفر بينها وبين جنوب أفريقيا والبلدان المجاورة لهذا البلد، من قبيل معاقبة ناقل الأنباء السيئة بدلاً من معالجة أسبابها. ولذا، لجأ أستاذ علم الأوبئة في “جامعة ماكغيل” مادو باي إلى “تويتر” ليشير إلى “الذعر الكبير” الذي أدى إلى معاقبة البلدان التي أعلنت عن إصابات بالمتحوّرة الجديدة التي لم يجرِ التوصل بعد إلى فهم كامل لها. وفي المقابل، “ولم يثر أي ذعر في شأن أكثر من ثلاثة مليارات شخص يملكون وصولاً قليلاً إلى اللقاحات والفحوص والعلاجات”، وفق باي.
إن عدم مشاركة اللقاحات في وقت تملك بلدان كثيرة فائضاً ليس من قبيل الأنانية فحسب بل إنه أيضاً موقف قصير النظر. إن الشعار القائل “لا أحد في مأمن حتى يكون الجميع في مأمن” يتعرض للأهمال بأكثر مما يوضع موضع التطبيق. فقد اضطر تحالف وكالات يضم “منظمة الصحة العالمية” و”كوفاكس” [المؤسسة المعنية بنشر اللقاحات عالمياً] و”الصندوق الأفريقي لشراء اللقاحات”، إلى مناشدة البلدان المانحة الإفراج عن الجرعات المتبرع بها، على أن يأتي ذلك بكميات كبيرة وفي شكل قابل للتوقع.
كخلاصة، يتوجّب اعتبار متحوّرة “أوميكرون” إشارة تحذير. قد يتبين أنها معتدلة ومكشوفة أمام اللقاحات، لكن من المستبعد أن تكون المتحورة الأخيرة. ووفق ما كتب طبيب على “تويتر”، يجب علينا ألا نرغب في تعلم الأبجدية اليونانية كلها [إشارة إلى إطلاق أحرف يونانية على المتحوّرات الفيروسية].
وطالما بقينا على الطريق الطويلة المؤدية إلى المناعة الشاملة، تظهر مخاطر أكبر تتعلق بأثر المتحوّرات الفيروسية الجديدة. وفيما يستمر ظهور هذا الغموض في أفقنا، لن تتمكن الأسواق المالية والموظفون والأسر من اتخاذ قرارات عقلانية. ولا نستطيع رؤية الضوء في آخر النفق لأن النفق أطول بكثير مما كنا نأمل به.