بقلم: رفيق خوري – اندبندنت عربية
الشرق اليوم- ليس في الشرق الأوسط نظام أمني إقليمي. ولا مجال لإقامة نظام جديد من دون ثلاثة عوامل: توازن قوى، وتوازن مصالح، وسلام. لا ضمن ترتيب أميركي-روسي-صيني، ولا على أيدي القوى الإقليمية المتصارعة فوق المسرح العربي. فالعوامل الثلاثة غائبة، والنظرات متفاوتة بالنسبة إلى أهمية الشرق الأوسط. القوى الدولية تتنافس، وسط مد روسي وانحسار أميركي وتمدد صيني على مراحل وضعف أوروبي. والقوى الإقليمية تتصارع في لعبة جيوسياسية خطيرة فوق المسرح العربي. والعرب الذين قاد “الربيع العربي” إلى شل عدد من بلدانهم الأساسية محكومون بالمواجهة على أربع جبهات في وقت واحد: جبهة الصراع العربي-الإسرائيلي التي شغلتهم منذ قرن. وجبهة المشروع الإمبراطوري الإيراني الذي صارت له مواقع في اليمن والعراق وسوريا ولبنان وغزة. وجبهة “العثمانية الجديدة” التي تقيم قواعد عسكرية في شمال سوريا وشمال العراق وقطر وغرب ليبيا، وتريد حصة من الغاز والنفط شرق المتوسط. وجبهة الإرهاب الذي تمارسه حركات الإسلام السياسي الممثلة بالإخوان المسلمين و”القاعدة” و”داعش” وأسماء أخرى.
والوقائع ناطقة. عملية السلام التي بدأت مع الدكتور هنري كيسنجر في مؤتمر جنيف واتفاقات فك الارتباط في سيناء والجولان لم تكن عملية سلام. ومعاودتها في مؤتمر مدريد بعد حرب “عاصفة الصحراء” قادت إلى اتفاقات منفردة وسلام ناقص. فما بحث عنه كيسنجر، كما يقول مارتن إنديك في كتاب جديد، تحت عنوان “سيد اللعبة: هنري كيسنجر وفن دبلوماسية الشرق الأوسط”، هو “نظام لا سلام”. وهدفه من عملية السلام كان “إعطاء إسرائيل وقتاً لبناء قدراتها وتقليل عزلتها، وإعطاء العرب وقتاً ليتعبوا من الصراع ويعترفوا بفوائد العمل مع جار إسرائيلي قوي”. ولذلك رفض التوسط بين الأردن وإسرائيل بعد حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973على عكس ما فعله مع مصر وسوريا، ثم اعترف بأنه ارتكب “غلطة كبيرة” بعدما أعلن العرب في قمة الرباط أن “منظمة التحرير” هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني. فالدرس الذي تعلمه الجميع هو أن النظام الإقليمي المبني على توازن القوى “لن يصمد من دون معالجة المظالم والمشاكل”.
والدرس المكتوب على الجدار أمام الجميع هو أن ترتيب نظام إقليمي قائم على توازن القوى وحده من دون توازن المصالح وحل عادل لقضية فلسطين وإنهاء التدخل العسكري الإيراني والتركي في البلدان العربية لن يصمد. ولولا توازن المصالح والقوى لما صمد النظام الأوروبي الذي جرى التفاهم عليه في مؤتمر فيينا في العام 1815 بعد حروب نابليون، وعمل له ملهم كيسنجر، مستشار النمسا مترنيخ.
ذلك أن إسرائيل، بدعم أميركي، تريد الاحتفاظ بالأرض والحفاظ على التفوق العسكري النوعي على دول المنطقة مجتمعة. وجمهورية الملالي تبني قوة عسكرية في الداخل و”ستة جيوش” من الميليشيات الشيعية في الخارج للدفاع عنها في البلدان العربية من أجل التفوق على بقية القوى الإقليمية وطرد أميركا من غرب آسيا وتحقيق مشروعها الإمبراطوري. وتركيا بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان تقف داخل حلف “الناتو” وتمد يدها إلى الروس وتعمل لتوسيع نفوذها في الشرق الأوسط والقوقاز ضمن أحلام “العثمانية الجديدة”. والعرب الذين يقع عليهم العبء الأكبر في مواجهة الإرهاب الأصولي بشقّيه السني والشيعي يتعرضون للتغلغل الفارسي والعثماني في نسيجهم الاجتماعي من أجل مطامع جغرافية وطموحات جيوسياسية.
ومن الوهم الحديث عن نظام أمني إقليمي على حساب العرب. والوهم الأكبر هو تصرف كل طرف كأنه اللاعب الأقوى وربما الوحيد الضامن للنصر والمستقبل. فالمنطقة تمر اليوم في مرحلة العد العكسي لاصطدام الأحلام بالواقع، إن لم يكن بالكوابيس. والمعادلة في غياب توازن القوى والمصالح والسلام هي ضعف القوة في مواجهة قوة الضعف.