بقلم: سميح صعب – النهار العربي
الشرق اليوم – لماذا لا يصدر عن الأطراف المعنية بأزمة أوكرانيا سوى التهديدات والتحذيرات، من دون المبادرة إلى الدفع نحو جهود دبلوماسية تكون كفيلة بنزع فتيل النزاع؟
القمة الافتراضية التي عقدها الرئيسان الأميركي جو بايدن والروسي فلاديمير بوتين، انتهت إلى خريطة للخطوط الحمر والتنبيه من العواقب، التي يمكن أن تلي نشوب نزاع مسلح على نطاق واسع فوق الأراضي الأوروبية.
ومما لا شك فيه، أن خلافة المستشار الألماني أولاف شولتس للمستشارة أنغيلا ميركل، وما رافق عملية التسلم والتسليم، قد حالا دون تكثيف الجهود السياسية. الإدارة الألمانية الجديدة لا تزال في حاجة إلى تثبيت أقدامها في الداخل الألماني المنهك بالوباء وبخطط التعافي الاقتصادي. لكن كان يمكن للإطلالة الخارجية الأولى لشولتس من فرنسا إلى جانب الرئيس إيمانويل ماكرون، أن تنتهي بأكثر من مجرد توجيه التحذيرات من مغبة إنفجار النزاع.
بيد أن ماكرون المنشغل هو الآخر، بالانتخابات الرئاسية غير المحسومة، بدأ يبذل جلّ اهتمامه في التركيز على كيفية رفع شعبيته في معركة الولاية الثانية بعد خمسة أشهر.
وإذا كانت فرنسا وألمانيا لن تبادرا إلى الاتصال بموسكو من أجل خفض التصعيد، فإن أي دولة أوروبية أخرى لا تملك من المقومات والكفاءة ما يؤهلها لمخاطبة موسكو. ولا يمكن التعويل في هذا الصدد على بريطانيا مثلاً التي تتخذ مواقف متماهية مع المواقف الأميركية، بينما تكثر وزيرة خارجيتها ليز تراس من إطلاق التهديدات ضد موسكو وتحذيرها من عواقب غزو أوكرانيا، فضلاً عن أن التوتر الروسي-البريطاني المزمن لا يتيح للندن أن تكون عامل تهدئة في الأزمة الأوكرانية. وترأس تطرح توجيه ضربة اقتصادية لموسكو على المدى البعيد “عبر تقليل الاعتماد على الغاز والطاقة الروسيين”.
في الأزمات السابقة، اضطلعت ميركل بدور متقدم في الحديث مع موسكو، وأبقت خطوط الاتصال مفتوحة مع الكرملين. وإذا كانت مجموعة مينسك التي تضم ألمانيا وفرنسا وروسيا وأوكرانيا، لن تبادر إلى الاجتماع في وقت تتعاظم فيه الحشود العسكرية من الجانبين منذرة بحرب كارثية، فمتى ستجتمع؟ هل بعد أن تقع الحرب وتتسبب بخسائر لا حصر لها بشرياً وإقتصادياً وجيوسياسياً؟
وفي هذا السياق، يمكن لمجموعة مينسك أن تتخذ خطوات عملية لخفض التصعيد، وأن تكون أجدى كثيراً من لغة التهديدات والاتهامات المتبادلة. وانعقاد اجتماع لمجموعة مينسك، لا يمكن أن يحصل من دون مبادرة فرنسا وألمانيا إلى الطلب مثل هذا الاجتماع ولو على أي مستوى.
وإلى ذلك، وحدهما فرنسا وألمانيا قادرتان على إقناع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، بالتخلي عن نهج شعبوي هدفه رفع نسبة التأييد له، أكثر مما هو ذو فاعلية على الأرض. ويتعين إقناع الزعيم الأوكراني، بأنه إذا كان لا يريد من أن يقيم علاقات طبيعية مع موسكو، فإنه في الوقت نفسه لا يمكنه أن يكون رأس حربة الغرب في تهديد المصالح الروسية، عبر التمسك بانضمام كامل لكييف إلى حلف شمال الأطلسي.
يدرك بوتين أن غزو أوكرانيا، سيرتب على موسكو عواقب كبرى، وقد يجر إلى نزاع طويل، لكنه لا يستطيع أن يستوعب التطويق الإستراتيجي الذي سيضربه الحلف الغربي على روسيا إذا ما انضمت كييف فعلاً إلى حلف شمال الأطلسي. وقد تكون العلاقات التجارية وبيع الطاقة إلى أوروبا الغربية، هما ما يفضلهما بوتين، لكن إذا ما رأى أن الأطلسي لن يتوقف عن الزحف شرقاً، فإنه قد يخاطر بقرار الغزو.
لذا، قبل فوات الأوان، يتعين على فرنسا وألمانيا الاندفاع دبلوماسياً نحو موسكو للبحث عن الضمانات التي تكفل وقف قرع طبول الحرب، التي ستخرج منها أوروبا كلها منهكة وليس روسيا وأوكرانيا وحدهما.