بقلم: عاطف الغمري – صحيفة الخليج
الشرق اليوم- لعل المخاوف التي اجتاحت الدول الكبرى تحديداً، حول الطاقة وارتفاع أسعارها فجأة، بما يؤثر سلباً في اقتصادياتها، قد نبهت خبراء السياسة إلى الطاقة ومصادرها الأساسية في الشرق الأوسط، من زاوية تتصل بالصراع بين الولايات المتحدة والصين. فالمختصون بالشؤون السياسية كانوا يركزون في تناولهم لهذه العلاقة على الأبعاد الاستراتيجية، والعسكرية، والاقتصادية في عمومياتها.
هذه الزاوية المرتبطة بأزمة الطاقة الحالية، قد جذبت الأنظار إلى ما طرحه قبل عشرين عاماً أحد أكبر المتخصصين في قضايا الشرق الوسط، وهو جون ألترمان مدير برنامج الشرق الأوسط بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، وقد كان قبل ذلك عضواً في فريق التخطيط السياسي بوزارة الخارجية، ومساعداً خاصاً لوزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط.
جون ألترمان كان قد صدر له في عام 2008 كتاب بعنوان “المثلث الحيوي.. أمريكا والصين والشرق الأوسط”.
النقطة الأساسية التي طرحها ألترمان في كتابه، أن احتياجات الدولتين (أمريكا والصين) للطاقة تتزايد. ومن المحتمل أن يمثل التنافس بينهما على الطاقة، مصدراً مهماً للنزاع، وأن العلاقة بين الدولتين حول المثلث الحيوي الذي يضم أمريكا، والصين، والشرق الأوسط، يمكن أن تحدث تأثيراً كبيراً فيهما.
ويقول ألترمان: رغم أن الولايات المتحدة تعتبر قوة عظمى في منطقة الشرق الأوسط، وتربطها بالمنطقة روابط تجارية، واتفاقات أمنية، ومشتريات من السلاح وغير ذلك، إلا أن أمن الطاقة، ستكون له أهمية قصوى بالنسبة لواشنطن وبكين معاً.. فالولايات المتحدة تحتل المركز الأول في ترتيب أكبر المستهلكين للطاقة من المنطقة، تليها الصين في المركز الثاني. وسوف تستمر احتياجات الدولتين للطاقة من المنطقة في المستقبل القريب، وهو ما يمكن أن يحدث تأثيراً في المثلث الذي يضمهما مع منطقة الشرق الأوسط، واتصالاً بذلك تعمل الصين من ناحيتها على تطوير علاقاتها مع جميع الدول سواء كانت صديقة أو غير صديقة للولايات المتحدة، وتراعي وهي تفعل ذلك، ألا تسبب ضرراً بالغاً لعلاقتها بالولايات المتحدة. كما أن الصين لا ترغب في أن تكون منافساً للولايات المتحدة في المنطقة. ومع ذلك لا يبدو أن الشرق الأوسط سوف يظهر كنموذج لتعاون أمريكي صيني، لأن عوامل التنافس بينهما على الطاقة كبيرة للغاية. من ناحية دول المنطقة فإن منها دولاً تحافظ على التوازن في علاقتها بالدولتين الكبريين، وتعمل في نفس الوقت على تعدد وتنوع علاقتها على مستوى العالم.
ويتطرق ألترمان إلى علاقة الصين بإيران في مجال الطاقة، ويقول بأن الطاقة الإيرانية تمثل أهم جوانب العلاقة بينهما.
إذا كان ألترمان يعتبر مرجعاً في هذه الزاوية من علاقة أمريكا والصين، فإن وجهات نظره لم تقتصر على ما عرضه في كتابه، حيث سبق أن نشر دراسة – صادرة عن مركز الدراسات الاستراتيجية الدولية – قال فيها إن أمن الطاقة يقع في قلب اهتمام الصين بالشرق الأوسط في القرن الواحد والعشرين. وطبقاً لتقرير وكالة الطاقة العالمية، فإن إنتاج الصين من البترول في عام 2004 كان يمثل 54% من استهلاكها، والباقي تستورده من الخارج، والذي يأتي نصفه من الشرق الأوسط. وإن من المنتظر أن يتزايد نقص الطاقة لدى الصين بسرعة، بحيث أنها ستحتاج في عام 2030 لاستيراد 75% من احتياجاتها من الطاقة.
كما أن ألترمان طرح نفس الموضوعات التي يناقشها في إطار تخصصه كمدير لبرنامج الشرق الأوسط، وذلك في محاضرات في أكثر من 30 دولة في خمس قارات، وكلها تتعلق بالشرق الأوسط، وبسياسة أمريكا الخارجية في هذه المنطقة.
وتبقى النقطة الرئيسية في كتابه، والتي تؤكد أن العلاقة بين الدولتين حول المثلث الأمريكي الصيني في الشرق الأوسط، يمكن أن يكون لها تأثير كبير في الدولتين، وهو ما سوف تظهر نتائجه في المستقبل القريب.
والملاحظ أن الاهتمام من جانب المحللين وخبراء السياسة الخارجية في الولايات المتحدة، كان يركز في مجمله على ناحيتين، الأولى هي المخاوف الأمريكية من صعود الصين إلى وضع ينافس طموحات أمريكا في قيادة النظام العالمي، والناحية الثانية أن الدولتين تستفيدان من العلاقة الاقتصادية المتبادلة بينهما.