بقلم: جيمس ستافريديس
الشرق اليوم- عندما أصبحت القائد العسكري الأعلى في حلف شمال الأطلسي عام 2009، ركز الحلف على الحرب في أفغانستان، لكن أحد كبار الوفود التي زارتني جاء لمناقشة ملف روسيا: القادة العسكريين لإستونيا ولاتفيا وليتوانيا.
لن أنسى أبداً لهجة أصواتهم حين وصفوا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وكانت لديهم وجهة نظر المطلعين على الأمور من الداخل، حيث صعدوا عبر الرتب العسكرية حين كانت بلدانهم جزءاً من الاتحاد السوفياتي السابق.
قدم الثلاثة حجة مقنعة بأن غزو روسيا لجورجيا عام 2008 كان بمثابة تدريب على العمليات المستقبلية ضد الديمقراطيات المجاورة لروسيا. لذلك أعدنا صياغة الخطط الحربية للحلف للتعامل مع هذا الاحتمال، مما رفع بشكل كبير من مستوى الدعم الأمريكي لأوروبا الشرقية.
في ذلك الوقت، شعرت أن أوكرانيا كانت هدفاً محتملاً؛ شريكاً مقرباً لحلف شمال الأطلسي، لكنها ليست عضواً فعلياً. وفي عام 2014، دخل جيش بوتين إلى شبه جزيرة القرم واستولى عليها.
وبعد 7 سنوات، يكرس بوتين مرة أخرى القوى اللازمة لضرب أوكرانيا، في حين يسعى لقطع علاقاتها مع الغرب بشكل كامل. فما هي أفضل الأدوات التي يمكن أن تستخدمها الولايات المتحدة والديمقراطيات الأوروبية لوقفه عن تنفيذ مخططاته؟
الأداة الأولى هي الاستخبارات والاتصالات الاستراتيجية، من خلال جمع المعلومات من جميع المصادر (البشرية والإلكترونية وغيرها)، ووضعها بصورة متماسكة ونشرها عالمياً، حيث يمكن لواشنطن السعي إلى حشد عزائم التحالف بشأن فرض عقوبات جديدة أقوى تأثيراً. وفي حين أن الحكومة الأمريكية لا يسعها الكشف عن المصادر والأساليب، فإنها تستطيع تقديم إحاطات مفصلة غير سرية، ربما من قبل وزير الدفاع لويد أوستن، أو مديرة الاستخبارات الوطنية أفريل هاينز؛ صور القوات الروسية في الميدان والمعدات الثقيلة تساوي ألف كلمة.
والأداة الثانية هي الحرب الإلكترونية. ومن المؤكد أن “وكالة الأمن القومي” و”القيادة السيبرانية الأمريكية” تجريان تحقيقاً حول أنظمة القيادة والتحكم المحتملة لقوة الغزو الروسية. غير أن السرية التامة ليست دائماً أفضل المقاربات. فمن شأن ضمان قدرة الروس على “رؤية” الجهود الأمريكية في أثناء تحركها في هذا المجال، من دون الكشف عن كل ما تستطيع الولايات المتحدة القيام به وما سوف تفعله، أن يساعدهم على فهم أن عملية الغزو لن تكون مجرد نزهة لطيفة.
وقد استخدم الروس الهجمات السيبرانية بشكل فعال للغاية في الهجمات السابقة على جورجيا وأوكرانيا، ويتعيَّن عليهم إدراك أن ميزاتهم هناك كانت خافتة ضعيفة.
أما الأداة الثالثة، فهي اقتصادية. صحيح أن العقوبات السابقة لم تثبط عزم الزعيم الروسي، لكن في مناقشة دامت ساعتين مع بوتين يوم الثلاثاء الماضي، لمح بايدن إلى بعض “التدابير الاقتصادية القوية وغيرها” في حالة التصعيد العسكري.
وينبغي أن تشتمل هذه التدابير على خطوات إضافية، مستهدفة من قبل جميع الديمقراطيات الغربية أعضاء دائرة بوتين المقربة رفيعي المستوى، مع تشديد العقوبات الأكثر صرامة على البنوك الروسية المملوكة للدولة وقطاع النفط والغاز (مع الإقرار بصعوبة كل هذا نظراً للاعتماد الأوروبي على الطاقة الروسية)، بالإضافة إلى عقوبات ثانوية أوسع نطاقاً ضد الشركات التي تزاول أعمالها في روسيا، من شأنها البدء في جهود عزل بوتين عن الاقتصاد العالمي.
وأخيراً، يتعيَّن على الإدارة الأمريكية النظر فيما يسمى “الخيار النووي”؛ أي فصل روسيا عن نظام الدفع الدولي السريع المستخدم لدى المصارف في جميع أنحاء العالم، وهي العقوبة التي ساعدت على انهيار اقتصاد إيران قبل عقد من الزمن. وفيما يتصل بمساعدة المؤسسة العسكرية الأوكرانية، فإن وزارة الدفاع الأمريكية تزود بايدن بقائمة مهمة: أنظمة صواريخ دفاعية ولكنها فتاكة قادرة على وقف تقدم الدبابات، والمدفعية الآلية، والنقل البري للقوات، والطائرات المسيّرة المتقدمة القادرة على الهجوم، والذخائر الأساسية، وغيرها من أشكال الدعم اللوجيستي، بل إن البنتاغون يستطيع حتى نقل نظام دفاع صاروخي لمواجهة أسلحة أرض – أرض الروسية. ويجب أن يترافق كل ذلك مع توفير عدد كافٍ من المدربين الأمريكيين والمستشارين الاستراتيجيين لمعاونة المخططين العسكريين الأوكرانيين عند تقييم الحالات الطارئة.
وختاماً، يزدري بوتين فكرة انتشار قوات غربية متمركزة بالقرب من روسيا، وهو يسعى إلى الحصول على ضمانات أمنية، بما في ذلك تعهد من حلف شمال الأطلسي بعدم التوسع شرقاً، بصفته مقابلاً لتخفيف التصعيد.
ولا ينبغي للغرب ابتلاع ذلك الطعم، فلا بد أن يدرك بوتين أن غزو أوكرانيا سوف يرجع بآثار عكسية، حيث يزيد عدد القوات الأميركية في دول البلطيق وبولندا ورومانيا وبلغاريا. ويمكن إعادة نشر أسطول المدمرات الأمريكية طراز “أرلي بيرك”، المتمركز حالياً في بلدة “روتا” الساحلية الإسبانية، وتحريكه إلى اليونان، مع البدء في رحلات عملياتية منتظمة في منطقة البحر الأسود.
لقد تجاوز بوتين مرحلة الهجوم الخاطف، حتى لو كانت احتمالات شن الهجوم قبل نهاية العام الحالي تبدو ضئيلة نسبياً. فقد غزا جيرانه الديمقراطيين مرتين خلال السنوات الثلاث عشرة الماضية. والسماح له بالإفلات من العقاب مرة أخرى من شأنه إعادة النظام الدولي إلى عقود ولّت من الزمان.
بالاتفاق مع صحيفة الشرق الأوسط