بقلم: محمد الرميحي – النهار العربي
الشرق اليوم- تُعقد اليوم في الرياض قمة قيادات مجلس التعاون الخليجي الثانية والأربعين، وهي في ذاكرتي سابقة بسبب عقد قمتين في عام واحد. القمة الحادية والأربعون عقدت في 5 كانون الثاني (يناير) من هذه السنة في مدينة العُلا في المملكة العربية السعودية وشكلت عودة الى المسار، ونتج منها وثيقتان: الأولى هي بيان العُلا والذي أعلن المصالحة بين قطر وكل من المملكة والإمارات والبحرين، والوثيقة الثانية هي البيان الختامي لتلك القمة، والذي اشتمل على أكبر عدد من المواضيع بلغت في مجملها 117 موضوعاً، معظمها معالجات لقضايا مشتركة أو الطلب من الأمانة العامة تحضير دراسات حولها من أجل عرضها على القمة “الرياض 14 كانون الأول (ديسمبر) الحالية”، والتي تُعقد اليوم.
بعد قمة العُلا انطلقت ورش مجلس التعاون بعد تعطيل جزئي لبعض مكوناتها، الى العمل الجاد وحضّرت في الأشهر الماضية عدداً وافراً من الدراسات. وحرصت القمة السابقة في بيانها الختامي وربما التاريخي على إصدار نص جاء فيه: “الحرص على تماسك مجلس التعاون ووحدة صفه لما يتسم بها من علاقات خاصة وسمات مشتركة”، أضيفت عليه في بحر الأشهر القليلة الماضية، المصالح المشتركة، والتي نمت بقوة في المرحلة الأخيرة.
لقد أضافت جولة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان على أهمية القمة زخماً جديداً، فقد زار كل من مسقط وأبو ظبي والدوحة والمنامة والكويت، وفي كل محطة تم توقيع عدد من الاتفاقات الاقتصادية التي تعزز من التكامل والتعاون على قاعدة المصالح المشتركة وتصُب نتائجها في صالح المواطنين وترفد حياتهم بالاطمئنان. كما أن ما ظهر من لقاءات حميمية على المستوى الشخصي بين الأمير الزائر وبين مستقبليه تتيح هامشاً كبيراً للتفاؤل في أن التوافق الاستراتيجي سهل المنال.
مجلس التعاون هو مطلب شعبي قبل أن يكون رغبة حكومات، فشعوب هذه المنطقة تعرف أن التعاون و التلاحم والتنسيق بين وحداتها هو المنجي من تلك العواصف الزاجرة في الجوار، وأن الكل أكبر من مجموع الأجزاء وأقوى نحو الآخر في منطقة تموج بالصراعات من جهة، والقوى المتحفزة للقفز والسيطرة من جهة أخرى. ويرى كثيرون من أبناء المنطقة أن نسيجهم الاجتماعي متقارب، أما مصالحهم، فهي واحدة وأن أمنهم لا يتجزأ وهو الذي يحمي طموحاتهم التنموية. لقد تحقق ويتحقق الكثير من المنجزات الحضارية في هذه المنطقة، فهي تقريباً من مناطق عربية قليلة نجت من العواصف التي ضربت جُل الدول العربية في العشرية الثانية من القرن الحالي وبعثرتها، وقد تعاملت بنجاح لافت مع جائحة كوفيد-19، ليس من الزاوية الصحية فقط، ولكن من الزاويتين الاقتصادية والاجتماعية، فقد كانت مرنة في تعويم القطاعين العام والخاص وحافظت على سوية معيشة المواطن، وجهدت في توعية المواطنين والاستجابة لحاجاتهم وصرفت ميزانيات استثنائية لسرعة جلب اللقاحات وادارته بشكل فعال.
على صعيد التطورات الأخرى، فقد سعت المملكة العربية السعودية لإتمام مشاريعها الاقتصادية والاجتماعية بشكل ناجح وفاعل، من المدن الجديدة الى الطرق الدولية إلى تطوير الصناعات، ولعل الطريق الذي افتتح رابطاً بين عُمان والمملكة دليل مادي على الإنجاز والذي روّض صحراء الربع الخالي. الانتخابات العامة في قطر شكلت علامة على طريق المشاركة المتوخاة، وقد تمت هذا العام بين القمتين، فيما حقق “أكسبو 2020” الذي جمع العالم في دبي النجاح ودل الى تصميم أبناء هذه المنطقة بالتفاعل الحي والجاد مع العالم، وفي كل عاصمة ودولة تقريباً في حزام مجلس التعاون تمت إنجازات مشهودة لصالح الناس والاستقرار معاً. بقي أن تبني قمة الرياض الثانية والأربعون على ذلك الإنجاز، وقد جهزت دراسات من أهل الاختصاص، كما تناول البيان الصادر عن قمة العُلا، موضوعاً مهماً وهو التكامل الاقتصادي، فهو اللحمة التي يمكن أن تربط مصالح كتل واسعة من شعب المنطقة مع بعضها. ولم يترك بيان العُلا الحديث عن تجويد آليات الكفاءة والحوكمة والشفافية، بل أكد تلك المنطلقات سبيلاً لتنمية عادلة في الدولة وفي الإقليم.
المشهد يدل إلى أن هناك عدوى إيجابية إن صح التعبير بين دول المجلس في التنافس الإيجابي لتطوير أدوات التنمية وتسخيرها للمواطنين. كأس العالم في قطر العام المقبل علامة أخرى على طموحات من جهة وقدرات من جهة أخرى، فيما نُظم في السعودية مؤخراً مؤتمر دولي للفلسفة بجانب سباق السيارات الدولي، وتزامن ذلك مع مهرجان سينمائي عالمي من بين نشاطات علمية وثقافية أخرى. وحيث أن الثقافة قاطرة التنمية نلاحظ الثورة الثقافية الصامتة في الإقليم الخليجي والمتمثلة في المطبوعات الكثيرة والمتنوعة واللقاءات الثقافية والمهرجانات الفنية والندوات السياسية. فليس غريباً أن تقرر مؤسسة إعلامية عالمية كبرى هي الـ”س أن أن”، بعد أن نظمت استقصاء لأفضل خمسة عشر جناحاً في “أكسبو 2020 دبي” أن يكون بينها ثلاثة لدول مجلس التعاون!
يتطلع أبناء الخليج الى القمة الحالية الثانية والأربعين بأمل في أن تدفع الى الأمام مشاريع التعاون وبخاصة الاستراتيجية التي تؤمن الأمن والاستقرار لأبناء المنطقة، من أجل سد الثغرات وتصويب المسارات والوقوف صفاً واحداً أمام التحديات، وهي ليست قليلة، وأن تنشط أيضاً مؤسسة المجلس في مد الجسور مع النخب المختلفة وإشراكهم في التصورات واجتراح الحلول للقضايا التي تواجه شعوبهم، فالبعد الإنساني هنا له أهمية قصوى في التفاعل وتبادل الخبرات من خلال ورش متخصصة تجمع أهل الخبرة. لا يتوجب أن نهوّن من الصعاب التي تواجه مجلس التعاون ولكن من الحكمة القول إن هناك تصميماً من قادة ودعم من شعوب للسير الى الإمام. وكانت زيارة ولي العهد السعودي قبل أيام من قمة الرياض عتبة مهمة في تسهيل التوافق الذي يدافع عن التنمية الخيرة في هذه المنطقة الاستراتيجية.