بقلم: عمرو الشوبكي – المصري اليوم
الشرق اليوم – قد تكون هي المرة الأولى في تاريخ أي تجربة انتخابية ألا يعرف الناس قائمة المرشحين في الانتخابات الرئاسية قبل 10 أيام من إجراء الانتخابات.. نعم، هذا ما يجري في ليبيا، حيث لم تعلن المفوضية العليا للانتخابات قائمة المرشحين في حدث استثنائي وغير مسبوق.
والحقيقة أن الصراع الذي جرى في ساحات المحاكم ورفض ترشح بعض المرشحين من قبل بعض القضاة ثم إعادتهم مرة أخرى على يد قضاة آخرين، ثم الضغوط الفجة على المفوضية العليا للانتخابات وحصار بعض المحاكم من قِبَل مجموعات مسلحة.. كل ذلك يقول إنه لا توجد ضمانة واحدة لإجراء انتخابات نزيهة في ظل هذه الظروف.
والحقيقة أن ما سبق أن ذكرته مبعوثة الأمم المتحدة السابقة، ستيفاني ويليام، لبعض أعضاء ملتقى الحوار السياسي الليبي بأن الأمم المتحدة والمجتمع الدولي يضمنان إجراء انتخابات نزيهة ولكنهما لا يضمنان احترام نتائجها، من الواضح أن الأولى في ظل الظروف الحالية لم تعد مضمونة أيضًا.
والمؤكد أن الانتخابات ليست هدفًا في حد ذاتها، وإنما هي وسيلة لجلب الاستقرار وحل الصراعات في البلاد المنقسمة كما في ليبيا، أو الآلية الأفضل لإجراء تداول سلمي للسلطة كما في البلاد الديمقراطية.
المؤشرات تقول إنه، بشكل عملي، هناك ما يشبه الاستحالة لإجراء الانتخابات في موعدها إلا لو كان الهدف فرض مرشح أو اسم بعينه على الجميع، وهو ما لا يوجد مؤشر واحد على إمكانية حدوثه في الوقت الحالي، ويصبح خيار تأجيل الانتخابات هو الخيار الأسلم والآمن للشعب الليبي ولمستقبله.
إن تأجيل الانتخابات سيكون أفضل في حال إذا كان ذلك سيؤدي إلى خلق بيئة آمنة لإجرائها واحترام نتائجها، وأيضًا- وهو الأهم- معالجة كل الثغرات التي أظهرتها التجربة الحالية، سواء على مستوى الإجراءات أو على مستوى التفاهمات السياسية أو درجة الاستقطاب أو حجم تدخل القوى الإقليمية والدولية.
إن نجاح أي تجربة انتخابية يتطلب التوافق على القواعد المنظمة، ووجود قوى سياسية تقبل بتداول السلطة وتحترم إرادة الناخبين ولا تحمل مشروع إقصاء أو تمكين، ومؤسسات دولة تعمل ولو بحد أدنى من الكفاءة لتضمن تنفيذ نتائج الانتخابات في الواقع وحماية إرادة الناس من أي تلاعب، وأن هذه الشروط أثبتت الأسابيع الماضية أنها غير متوفرة في ليبيا.
الانتخابات في ليبيا ستبقى وسيلة لتحقيق أهداف إعادة بناء مؤسسات الدولة وتوحيدها وضمان حد أدنى من كفاءتها ونزاهتها، وتوحيد الجيش والأجهزة الأمنية، وإن أمكن العمل على إحداث توافق حول مرشحين لا يشكل نجاح أي منهم تعميقًا للانقسام الحالي، وهي كلها مهام صعبة وليست مستحيلة.
تأجيل الانتخابات ليس حلًا للصراع في ليبيا، إنما هو وسيلة للوصول إلى انتخابات نزيهة تكون مصدرًا للتوافق وليس الاستقطاب، وتعيد بناء مؤسسات الدولة الليبية وليس تفتيت ما تبقى منها.