الرئيسية / مقالات رأي / «مزحة» الديمقراطية

«مزحة» الديمقراطية

افتتاحية صحيفة “الخليج”

الشرق اليوم – لعل أفضل توصيف لـ«القمة من أجل الديمقراطية» التي عقدها الرئيس الأمريكي جو بايدن، يومي الخميس والجمعة الماضيين عبر الفيديو مع 110 من قادة العالم «الديمقراطيين»، هو ما قاله تيان بييان مدير مكتب الأبحاث السياسية في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الصيني، إن هذه القمة «مزحة» لأن النظام السياسي الأمريكي لا يمثل الديمقراطية. 

أما المزحة الثانية فهي إعلان بايدن تقديم 24 مليون دولار خلال العام المقبل لدعم الديمقراطية في جميع أنحاء العالم، وهو مبلغ لا يكفي لإطعام مئة جائع في شوارع نيويورك، فكيف بدعم الديمقراطية في 110 دول؟ والمزحة الثالثة هي قول بايدن، إن على الولايات المتحدة «أن تكافح بلا توقف كي ترتقي إلى مستوى مُثُلها الديمقراطية»، وهو بذلك يعترف بأن بلاده بحاجة إلى ديمقراطية حقيقية. إذاً كيف لمن يحتاج إلى المثل الديمقراطية أن يدعو إليها؛ بل إلى قيادتها؟

أستاذ العلوم السياسية في جامعة ديوك تساءل عن أسباب الدعوة إلى هذه القمة التي وصفها بأنها «فكرة سيئة»، وأوضح «لدينا مشاكل أكبر من مشاكل أية ديمقراطية غربية أخرى». وأضاف: «لقد تم اقتحام الكونجرس في محاولة انقلاب، وهذا الأمر لم يحصل في باريس أو البوندستاج (ألمانيا) أو في مقر الاتحاد الأوروبي في بروكسل».

ثم إن إعلاء راية الديمقراطية يكون بوضع حد نهائي للعنصرية داخل مؤسسات الدولة. ولعل ما يتعرض له الأفارقة السود في المجتمع الأمريكي من ممارسات عنصرية من جانب الشرطة، وآخرها حادث قتل جورج فلويد، خنقاً، هو دليل على أن الديمقراطية الأمريكية مشوهة ولا يجوز أن تُحتذى أو أن تقود العالم نحو الديمقراطية، كما أن بروز التطرف كظاهرة أمريكية تشكل نقطة سوداء في سجل الحريات الأمريكية.

يقال إن هذه القمة عقدت وفاء لوعد قطعه بايدن أثناء حملته الانتخابية بالدفاع عن الديمقراطية. 

حسناً. لا خطأ في ذلك إذا كان الهدف هو تعزيز الديمقراطية الحقيقية وحماية الحريات وحقوق الإنسان، لكن ما جرى كان عملاً استعراضياً. فالولايات المتحدة حسب مجلة «فورين بوليسي»، «ليست هي أفضل مكان لاحتضان قمة كهذه، فأمريكا مصنفة حالياً على أنها في فئة «الديمقراطية المعيبة» حتى قبل انتخاب دونالد ترامب، ولم يحدث أي شيء لتصويب ذلك الوضع، فأحد الحزبين الرئيسيين يرفض القبول بنتائج الانتخابات»، ويعتبرها مزورة.

ثم إن اختيار الدول للمشاركة في قمة بايدن تم وفقاً لمصلحة الولايات المتحدة، وليس وفقاً لمعايير الديمقراطية الحقيقية. وقائمة هذه الدول تضم وفقاً لمؤسسة «فريدم هاوس»، دولاً «حرة جزئياً أو غير حرة على الإطلاق»، وذلك وفقاً لأهميتها السياسية بالنسبة للولايات المتحدة مثل العديد من الدول الإفريقية والأمريكية اللاتينية والآسيوية، وحتى بعض الدول الأوروبية التي تقودها حكومات شعبوية يمينية.

الهدف من القمة ليس تعزيز الديمقراطية بالتأكيد، هذه مزحة سمجة، وإنما محاولة تجميع دول في إطار المحاولات الأمريكية الدؤوبة لمواجهة الصين وروسيا، باعتبارهما «استبداديتان» وفق التعبير الأمريكي.

شاهد أيضاً

أمريكا والمسكوت عنه!

العربية- عبدالمنعم سعيد الشرق اليوم– الدولة تتكون من شعب وسلطة وإقليم؛ ويكون الشعب فى أعلى …